للرقاعات الفرنسية في هذا الباب (حساب مفتوح) وأذكر أن آخر (دفعة) منها كانت في العالم الماضي حينما حضر إلى مصر وفد من الصحفيين الفرنسيين وكانت فيهم عجوز تدعى (مدام تابوي)، قالت هذه العجوز فيما قالت لإحدى الصحف المصرية - وكانت حينذاك مناسبة من المناسبات التي يرتفع فيها صوت مصر لنصرة إخواننا أهل المغرب - قالت: لماذا تعملون على إقامة المتاعب لنا في شمال إفريقية؟ إنكم تلعبون بالنار إذ تشجعون هذه الشعوب. . . كنت أعددت مقالا عن مصر فيه تحية طيبة لها، ولكني غيرت رأيي واستبدلت به مقالا آخر! ووصفت هذا القول إذ ذاك بصفته وهي الرقاعة، والرقاعة فن يحذقه الفرنسيون
وقد كنا نعرض تلك الرقاعات واحدة واحدة، أما اليوم فنراها تسقط علينا بالجملة. . في هذه المحنة التي تعانيها مراكش من جراء الوحشية الفرنسية التي نكأت الجراح القديمة وأثارت المواجع في أقطار العروبة والإسلام. ولندع القضية نفسها فهي معروضة في أصحف مبسوطة الجوانب، ولندع مسائل الاعتداء على الشعوب الصغيرة وكتم أنفاس الحريات والتنكيل بالوطنيين الأحرار، فهي مسائل معروفة معهودة في المستعمرين على الإطلاق وإن كان الفرنسيون (دعاة الحرية والإخاء والمساواة) يبزون فيها سائر المستعمرين. لندع كل ذلك، فالذي يعنينا الآن هو (الرقاعات) التي تنفرد بها أهل باريس الرقاق اللطاف. .
الرقاعة الأولى من (النوع الدبلوماسي) الذي يسيل أدبا وظرفا. . فقد استدعى وزير خارجية فرنسا سفير مصر وتحدث إليه بحديث قال فيه إن ما ينشر في الصحف المصرية يستدعي اشمئزاز الشعب الفرنسي! أرأيت إلى هذا (الاشمئزاز الفرنساوي) العجيب الذي لا يشعر بما يأتيه أهله من الفظائع التي تشمئز منها الفضائل كلها وعلى رأسها الحياء؟ كأن مطالبة سلطان مراكش بإقرار الاستعمار في بلاده، والبراءة من أبنائها الوطنيين، وضرب المواطنين بعضهم ببعض، وحصار السلطان وتقييد حريته؛ وضرب المدن بالقنابل، وغير ذلك مما يتحدث به العالم ويكذبه الفرنسيون كأن كل ذلك أمور لطيفة جدا تستعدي الإعجاب