للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[مقالة تذكارية]

ابن سينا

بمناسبة انقضاء تسعمائة سنة على وفاته

للدكتور زكي علي

في سنة ١٩٣٢ خطر لكاتب هذه السطور بينما كان يقوم ببعض الأبحاث في معهد تاريخ الطب بفينا أن يُحيي ذكرى طبيب الإسلام الأشهر (ابن سينا) في الوقت المناسب بنشر بعض الرسائل العلمية عن حياته في المجلات الطبية وغيرها.

وجرى وقتئذ بيني وبين الأستاذ ماكس نويبرجر - وهو من أشهر علماء تاريخ الطب اليوم - حديث في هذا الشأن لفت نظري في سياقه إلى رسالة لأحد الأطباء من الأتراك الكماليين حاول فيها أن ينسب ابن سينا إلى العنصر التركي تمشياً مع نعرة الجنس التي تغلغلت في تركيا الكمالية وشوّهت في كثير من الأحيان وجه الحقائق التاريخية تبريراً لغاية قومية.

وقد نشرت (الرسالة) في أحد أعدادها في الصيف الماضي نبأ مؤداه أن جامعة استنبول احتفلت بإحياء ذكرى (ابن سينا) أنبغ طبيب في الإسلام. ولما كان ابن سينا فارسي الأصل فقد أراد الكماليون بعملهم هذا تجريده من فارسيته وإقامة الدعوى الباطلة على انه ينتمي إلى الجنس التركي، وبذلك تكون عبقريته النادرة من مفاخر القومية التركية؛ وفي هذا افتيات على التاريخ والعلم لا تبرره العصبية الجنسية.

يلقب ابن سينا في الشرق (بالشيخ الرئيس) وفي الغرب (بأمير الأطباء) حيث عرفته أوروبا باسم واسمه الكامل أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا، وقد اجمع المؤرخون على اعتبار شخصيته إحدى الظواهر الفكرية العجيبة التي سجلها تاريخ الطب والفلسفة كما أنه من اعظم العلماء الذين أنجبهم الشرق إذ جمع في نفسه شخصية الطبيب والفيلسوف والشاعر والفلكي والسياسي والعالم بطبقات الأرض، وبلغ بذلك ذروة النبوغ وقمة الشهرة بين علماء الإسلام شرقاً وغرباً؛ وحسبك ما ذكره عنه الطبيب المؤرخ الأمريكي كامستون إذ قال: (يعتبر ابن سينا معجزة من معجزات العقل الراجح ويجوز أنه لم يسبقه ولم يظهر بعده من العلماء من يدانيه في حدة الذكاء وسرعة نبوغ العقل بالنسبة

<<  <  ج:
ص:  >  >>