يجد الناشئ في مصر اليوم أبواباً مختلفة للدخول إلى الحياة التعليمية. فالوالد يرى أمام عينيه لابنه أنواعاً من المدارس متعددة: المدرسة الإلزامية، والمدرسة الأولية، والمدرسة الابتدائية، ومدرسة تحفيظ القرآن الكريم، وأخيراً المدرسة الريفية التي ظهرت حديثاً. فإلى أيها يتجه الولد وفي أيها يستمر؟
وبجانب هذه الحيرة من الوالد تجد السور من المواطن الذي لم ينظر إلا نظرة سطحية إلى هذه الأنواع الكثيرة من المدارس فسره تعددها معتقداً أن ذلك يفسح المجال أمام الناشئ للسير قدماً في حياته التعليمية وأن التعليم الشعبي في بلادنا قد تدرج في مدارج الرقي وتقدم سريعاً في تطوره وتنوعه في سبيل إنشاء جيل جديد مغامر مجاهد في نواحي الحياة المختلفة، غير أن نظرة أعمق من تلك النظرة السطحية كفيلة بأن توحي إليه بشعور آخر خصوصاً إذا درس تاريخ تلك الأنواع. فهذه المدارس البدائية في التعليم، لم تنشأ نتيجة تجارب وأبحاث علمية كما هو الحال في غير هذه البلاد، ولكنها نشأت كما نشأ غيره أحياناً في مراحل التعليم الأخرى نتيجة أفكار وآراء ارتجالية بحتة من أشخاص وأتاهم النفوذ والسلطان ردحاً من الزمن تبين لهم في خلاله شيء من العيب أو النقص في نوع ما من أنواع التعليم، فلم يفكر جدياً في إصلاحه وتركوه جانباً يتخبط في عيوبه حيث هو واتجهوا إلى خلق نوع جديد خال كما ظنوا من ذلك العيب أو النقص الذي تبينوه، وأطلقوا على مولودهم اسماً جديداً ليتميز عن قديم غيرهم. كما حدث أخيراً في المدارس الريفية التي تكاد تطغى الآن على المدارس الإلزامية والأولية. وفي المدارس الثانوية الزراعية، والتجارية والصناعية التي حلت محل المدارس الفنية المتوسطة. وكما حدث قديماً في قيام معهد التربية العالي والابتدائي على أنقاض مدرسة المعلمين العليا والمتوسطة وفي قيام كليات في الأزهر الشريف تناهض دار العلوم ومدرسة القضاء الشرعي، وكليات الجامعة تتبعها معاهد دينية ثانوية على غرار المدارس الثانوية المدنية تؤهل للكليات الأزهرية ومعاهد ابتدائية دينية على غرار المدارس الابتدائية تؤهل للمعاهد الدينية الثانوية الخ.
وكانت نتيجة وجود هذه التشكيلات المختلفة التي نشأت في دور التعليم أن خرجت