نعي صديق الأستاذ الزيات - صاحب الرسالة - على أدباء هذا الجيل الجديد، جهلهم بلغتهم وتقصيرهم في تحصيل آدابها، وقال:(أن الواقع الأليم أن الذين درسوا لغتهم وفقهوها من الأدباء النابهين نفر قليل. فإذا استثنيت هؤلاء الستة أو السبعة وهم من الكهول الراحلين، وجدت طبقة الأدباء كطبقة الصناع والزراع والتجار يأخذون الأمور بالتقليد والمحاكاة، لا بالدرس والمعاناة) وقال أيضاً: (ولا تجد في تاريخ العربية قبل هذا العصر، ولا في تاريخ اللغات في جميع العصور، من يحسب نفسه أديباً في لغة وهو لا يعرف منها إلا ما يعرف العامي الألَفُّ).
وهذا صحيح. واحسبني من الستة أو السبعة الذين أشار إليهم الأستاذ؛ وإني لمن الكهول فقد جاوزت الأربعين وقاربت الخمسين، ولكني إن شاء الله من الباقين لا من الراحلين، فأني أحس من العزم والقوة والنشاط ما لو فرق بعضه على الأدباء النابتين أو الناجمين في زماننا هذا، لكفاهم وزيادة. ولست أكتب لأقول هذا، وإنما أريد أن أرسم للقراء صورة لأيام التحصيل الأولى. وأقول (الأولى) لأنا ما زلنا دائبين على التحصيل لا نعرف له نهاية إلا نهاية الحياة نفسها.
عرفنا القراءة والاطلاع ونحن تلاميذ في المدارس الثانوية؛ وأدع غيري وأتحدث عن نفسي فأقول إن مواردي كانت محدودة جداً؛ وكان حسبي أن أؤدي نفقات التعليم. وكنت أحمد الله إذا وجدت بعد ذلك قرشاً في اليوم. وكان من زملائي في مرحلة التعليم الثانوي الأستاذ حسن فهمي رفعت بك - وكيل الداخلية الآن - ولا أعرف كيف كان حاله، ولكني أعرف أنه كان يعيرني ما يشتري من الكتب بعد أن يفرغ منها؛ وقلما كان يسترد ما يقرضني من كتبه. وكان فريق منا يعني بأن يحضر دروس الأمام الشيخ محمد عبدة، والشيخ سيد المرصفي، وانتقلنا إلى التعليم العالي، وكتب الله لي - على خلاف ما كنت أريد - أن أدخل مدرسة المعلمين العليا، فكان مرشدي فيها وأستاذي، زميلي وصديقي الأستاذ عبد الرحمن شكري، فقد كان شاعراً ناضجا ذا مذهب في الأدب يدعو أليه؛ وكنت