قضي الأستاذ الشاعر فخري أبو السعود - طيب الله ثراه وخلد ذكراه - فانطوى بموته صديق يعز على الأصدقاء فقده، وأديب يشق على الأدب رزؤه فيه، وعالم لن ينساه العلم وإن نسي الكثير غيره، فمن حقه علي أن أكتب، ومن حقه علي الرسالة أن يتسع صدرها لما أكتبه عن أديب طالما طلعت علينا بالكثير من آياته وغرره.
قال البعض إنه مات منتحراً برصاص مسدسه في لحظة ضيق بعد أن خط هذا البيت على رقعة:
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ... ثلاثين حولاً - لا أبالك - يسأم
وقيل إنه فقد ولده في باخرة ترحيل الأطفال الإنجليزية التي أغرقها الألمان، وقيل إنه انقطع اتصاله بأسرته في إنجلترا، وقيل إن في الأمر جريمة قتل. . . إلى غير ذلك مما يذيعه الناس في مثل هذه المناسبات، إذا عمي عليهم الأمر ووقعوا في الحيرة، فذهبوا يتقصصون الآثار، وينتحلون العلل، ويضربون في الأوهام. . . ثم انبرت أسرته تكذب كل ذلك وتقول إنه مات برصاصة طائشة من رصاص مسدسه أثناء إصلاحه. . . كل ذلك لا شأن لنا به فلقد مات الرجل - يرحمه الله - وانقضى الأمر؛ إلا أن ما عرفته في فخري طول صحبتي له من صموده للحياة، وثقته بالله وعدم تطيره من الحادثات، يجعلني كثير الشك فيما قيل عن الانتحار. . . فقد كنت معه مرة في معرض الحديث عن مقال في الانتحار لأديب كبير، ثم تطرق بنا الحديث إلى ذكر فلان من أدباء الشباب - وكان فخري يعجب بأدبه ولا يعرفه - وأنه قد حاول الانتحار في ذلك الحين، فسخر فخري منه، فلما عرضت على فخري أن أعرفه به أبتسم قائلاً:(إنني لا أود أن أعرفه)
عرفت فخري أول ما عرفته في أول عهده بالتدريس في المدرسة العباسية الثانوية، وكان ناظرها في ذلك العهد الأستاذ عبد الرحمن شكري. قدمني إليه صديق، فخلت بادئ ذي بدء، أنه أحد الطلبة، فقد كان - رحمه الله - ضئيل الجسم، قصير القامة قليل الكلام، شديد الخجل، لا تبدو عليه سنه؛ فلما قدمه الصديق إلى، خلت أنه هازل لا جاد، أو أنه ربما أشتبه عليه الاسم - فكثيراً ما تتشابه الأسماء -، وساعد على ذلك أن الصورة التي كنت