رسمتها لفخري في ذهني - من المطالعة - تتباين مع أراه جد التباين، فسلمت عليه في فتور ووناء، ثم إنه كان قليل الكلام - كما قدمت - فتوهمت أن ذلك قلة مبالاة، فقابلته بالمثل، فكانت مقابلة جافية أسرها لي فخري، وعتب علي بعد ذلك بزمن
ثم مضت الأيام فذهبت إليه في بعض الشأن، وكنت قد نشرت قصيدة بجريدة الأهرام بعنوان (الصباح)، فقابلني مقابلة طيبة، وجلسنا نتحدث عن القصيدة، ثم عن الشعر في مصر، ثم قرأ لي قصيدة عنوانها (نجوم السينما) كان يعدها للرسالة، وأهدى إلى كتابه عن الثورة العرابية؛. . . ثم تكررت المقابلات بعد ذلك، واتصلت بيننا أسباب المودة، فكنا نلتقي في أكثر الأيام
نقل فخري بعد ذلك إلى الرمل الثانوية، وتركت أنا الإسكندرية، ثم عدنا فالتقينا في الإسكندرية بعد ذلك بعام، وكنت قد اتصلت بالرسالة، وكان قد بدأ يكتب فيها سلسلة مقالاته عن المقارنة بين الأدبين العربي والإنجليزي، فأثارت اهتمام كثير من الأدباء، وقد أبدى لي الأستاذ الزيات إعجابه بها أكثر من مرة، وكتب إلي فخري يقول في ختام خطاب له - أطلعني على فخري -: (فأستزيدك، ثم أستزيدك، ثم أستزيدك). وكان في نية الأستاذ الزيات طبع هذه المقالات بعد إتمامها، ولكن فخري لم يتمها
ظهرت بعد ذلك مجلة الرواية، وبعد ظهورها بنحو عام وقعت جفوة بين فخري وبين الزيات أدت إلى قطع هذه المقالات، وانقطاع فخري عن الرسالة. . . قابلته بعد ذلك بحين فشكا لي شيئاً من ركود الذهن بعد انقطاعه عن الرسالة؛ وقال لي إنه شديد الخجل لأن الأستاذ الزيات مازال يرسل إليه مجلتي (الرسالة) و (الرواية) في حين أنه لا يؤدي له أية خدمة نظير ذلك. . .
وظهرت في ذلك الحين مسابقة وزارة المعارف في التأليف؛ فعرض علي بعض ما كتبه. وكان - رحمة الله عليه - كثير الشك في الفوز، فطمأنته ورجوته أن يتم ما بدأ، فأتمه - وأظنه فاز بجائزتين -؛ ثم انقطع حيناً عن الكتابة وانصرف إلى القراءة، وكنت ألقاه في ذلك الوقت كل يوم تقريباً، فنمضي سيراً على الأقدام في طريق (الكورنيش)، ويمتد بنا الحديث في الأدب والجدل أحياناً حتى نجد أنفسنا في جهة لم نكن نقصدها؛ وكثيراً ما كان يشغلنا الحديث حتى نقطع في السير مسافات بعيدة دون أن ننتبه؛ فقد كان رحمه الله يؤثر