السير على الجلوس؛ وكان شديد النفور من المجتمعات ولا أذكر أنني رأيته مرة في مقهى أو منتدى ولعل ذلك هو السبب في سعة اطلاعه، ووفرة إنتاجه، فكان يقسم فراغه بين التريض والقراءة، والكتابة. والظاهر أن ذلك يرجع إلى طبيعته الهادئة، فقد كان يكره الضجة، ويتجنب الناس. وكان منزله في بقعة هادئة من رمل الإسكندرية، وحتى طفله يبدو لي أنه ورث عنه هذه الميزة، فكان ينفر من الغريب، ويبتعد عن الناس، أذكر أنه تركه معي مرة وذهب لبعض شأنه، فجعل الطفل يصرخ ويبكي ويتملص مني ليجري، وعبثاً حاولت تهدئته ولكنه لم يهدأ حتى عاد والده إلى جانبه مبتعداً عني
ولا أود أن أختم هذه الإلمامة قبل أن أشير إلى دراسة فخري واتجاهه في الأدب؛ فقد تخرج في المعلمين العليا واشتغل بعض عام بالصحافة، ثم اختارته وزارة المعارف في بعثة لها فتخرج في جامعة إكسترا في إنجلترا - وهناك تزوج من زميلة إنجليزية له في الدراسة - فلما عاد اشتغل بالتدريس في المدرسة العباسية الثانوية بالإسكندرية وكان فخري - رحمه الله - كما علمت منه مكباً على القراءة من صغره ولا سيما قراءة القديم حتى أوشك أن يستظهر كتباً بأكملها، ويظهر ذلك جلياً في أسلوبه، فتمتاز كتابته بقوة الأسلوب وجزالة الألفاظ. كذلك تبدو في شعره محاولة تقليد القدماء، وقد تأثر في هذا بالبارودي، وكان يحفظ جل ديوانه ومختاراته. وكان يؤثر من الشعراء القدماء أبا تمام وبعض شعراء الجاهلية لاسيما طرفة بن العبيد. كل هذه الدراسات القديمة كان لها أثر واضح في شعره لا يخفى على قارئه، وكان يختار منها اكثر شواهده في مقارنته بين الأدبين العربي، والإنجليزي. وكان يؤثر العقاد على شوقي وحافظ، وكثيراً ما قام بيننا جدال طويل في ذلك. وكان رحمه الله ينظم الشعر في سيره فتراه يغمغم في سيره بكلام لا تستبينه لانخفاض صوته، حتى إذا جلس كتب ما قال، ولا يزال كذلك حتى يتم القصيدة
وهناك ناحية تجب الإشارة إليها هنا وهي ضيق صدره بالنقد، وإن كان سلم منه في الصحف، وكثيراً ما كنت آخذ عليه ذلك. حدث مرة أن عثرت له على بعض أخطاء في نسبة الشواهد، وعلى هنة لغوية في قصيدة له، وكان في ذلك العهد يقضي الصيف بإنجلترا، فانتظرته حتى عاد فنبهته لذلك فغضب مني ودعاني في اليوم التالي وقد جمع لي بعض ما كتب في الرسالة وجعل ينتقد لي بعض المعاني حتى يرد علي بالمثل