فضلاً عما ينشأ في المدن الفسيحة من الصعوبة في تمييز الداعرات فهناك صعوبة أخرى مترتبة على الأولى: ذلك أنه حيث يكثر الداعرات المحترفات يكثر كذلك ما يسمونه بالدعارة السرية.
وقد كانت الدعارة السرية في العصور الوسطى على غير ما هي عليه الآن، فإن سهولة التعرف على الداعرات في تلك العصور، والنظرة التي كان ينظر بها إليهن، كانتا سببين كافيتين لحصر بؤرهن. فكانت المومس التائبة إن تركت حياة المواخير لا تجرؤ على السكنى في حي آخر، بل كن يقمن في تلك الأحياء؛ ولم يكن ثمة شك في أشخاصهن ولا في ماضيهن. وفي العصور الحاضرة فريق من الداعرات يحترفن ما يسمى بالدعارة السرية وهن مثل الداعرات في العصور الوسطى معروفات حق المعرفة لرجال البوليس، بل هن رغم التسمي باسم (السرية) معروفات كذلك لكل عابر سبيل وذلك لافتضاح أمرهن. ولكن على الرغم من ذلك هناك فارق مهم بين أنواع من البغاء السري في العصور الحاضرة. فالنوع الأقل عدداً والأقل خطراً هو الفريق المعروف باحترافه للدعارة.
أما الكثرة من البغايا السريات، فهن اللواتي لا يدل عليهن شيء من ثيابهن ولا مظهرهن ولا مسكنهن، وهن يعشن بين سائر النساء بحيث يتعذر تمييزهن، ولكنهن مع ذلك يزاولن البغاء السري بحالة مستمرة أو متقطعة.
إن المومس المجاهرة أقل أهمية؛ ودراسة حالتها أقل جدارة لدى من يحاول درس التطورات التي تحدث بالمدن الكبرى أثناء تقدمها من النواحي الصناعية وغيرها.
ولقد بذل جهد ليس بالقليل في سبيل تعريف الدعارة تعريفاً دقيقاً، لأن النظر إليها من وجوه مختلفة يسفر عن تعريفات مختلفة، فالداعرة من وجهة النظر الإدارية لدى رجال البوليس هي التي ليس لديها وجه من وجوه الرزق غير ابتذال العرض، وهذه هي التي توجب