للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[رمضان]

للأستاذ يحيي محمد علي

بعد جهاد مضن في سبيل الحياة والبقاء، ونضال منهك من أجل القوت والعيش، تعود النفوس رازحة لاغبة ضارعة قد أرهقها النصب فوهنت وتراخت، وهدها الإعياء فتثبطت وتوانت، وفدحها الإخفاق فقنطت وتخاذلت؛ لتنعم في ظل رمضان بالراحة التي تجدد قواها المكدودة، والرجاء الذي يرهف عزمها الكليل، والرشاد الذي يقيها مغبة الضياع في مجاهل الغواية

وبعد خصام ملث على المال المدنس، ونزاع متواصل على الجاه المزيف، تعوج القلوب مرمضة صادية قد غمرها الإثم فصدها عن الخير، وغشيها الجشع فصرفها عن الإحسان، وتألب عليها الغرور فكبحها عن التواضع؛ لتستمد من وحي رمضان الإيمان الذي يقر في مطاويها فورة البغى، والقناعة التي تسكن في أعنائها سورة الشره، والإباء الذي يخمد في ثناياها جذوة الحسد

وبعد صراع عنيف على المجد الزائل، وتهافت شائن على السطوة الكاذبة، واندفاع يائس وراء الظنون والأوهام، تدلف العقول جائرة مفتونة حائرة قد ران عليها الباطل فحجب عنها ضوء الحق، ووطئها الغي فجنحت للطيش، ولازمها الحرص فزين لها الصلف والزهو والعجب، لتقتبس من قدسية رمضان اليقين الذي يبدد لها دجى الشكوك والريب، والهدى الذي يرفع عنها آصار المروق والزيغ، والحلم الذي يكفكف فيها غلواء الجهالة والنزق

فلا يلبث ذلك الإنسان السادر في المعصية والجامع في الشر والمصر على المنكر أن يدرك أسرار الوجود فيرق ويلين، ويترفق ولا يتمرد، ولا يتجبر ولا يتكبر، ويعرف قيمة الحياة فيتعفف عن الرذيلة ويتصون عن الرجس ويترفع عن الغش والخداع ولا يخضع لسلطان الهوى ولا يخنع لطغيان الشهوة ولا يصغي لهمسات الشيطان، ويفهم معاني الإنسانية فلا يتغلظ ولا يقسو ولا يظلم، وتتيقظ في أعماقه أحاسيس الرحمة والشفقة فيعطف ويحسن ولا يسيء، وتتفجر في أغواره منابع البر والرأفة فيرفد ويتصدق ولا يبخل

هذا هو رمضان أيها المسلم. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>