تخترقنا جميعاً الأشعة الكونية أو الأشعة النافذة كما يسمونه، أحياء كنا أم أمواتاً، شباباً كنا أم شيوخاً، تنفذ فينا جميعاً بقدر واحد. تُرى هل يًعد هذا التفتت الدائم في أجسامنا الذي يلازمنا من المولد حتى الممات ملائماً لوجودنا ومساعداً على بقائنا؟ أو هو على النقيض من ذلك. أميل إلى الاعتقاد بأنها مُبيدة لنا مهلكة لحياتنا. ومتى كان الهدم من عوامل البقاء، والتفتت مدعاة للحياة لا للفناء؟
إلى المتحف المصري والى الطابق الثالث منه نقلوا حديثاً من المنزل الذي أقام فيه مسيو لاكو المدير السابق لمصلحة الآثار، عشرين مومياء لفراعنة مصر الأقدمين، يمثلون ثلاثين قرناً أو يزيد من أزهى العصور في تاريخ البشر. ويكفي لتعريف هذه الفترة السعيدة التي خلت أن نذكر، أنها الفترة التي كوّن الإنسان فيها معارفه الأولى وعلومه البدائية التي كانت سبباً وأساساً لمعظم ما نملكه اليوم من معارف وعلوم. فالحلقة متصلة إذ كان لهؤلاء الملوك الأولين والمؤتمرين بأوامرهم والآخذين بنظمهم الفضل الأول في كثير مما نعرفه اليوم.
هذه المومياء الهامدة ظلت مستريحة قروناً عديدة، لا يحميها ما حولها من لفافاتٍ عديدة، أو ما يُحيط بها من صناديق محلاة بالذهب والنقوش، من التهدُّم الذرى والتَّفتُّت الداخلي الحادثين حتماً من اختراق جسيمات الأشعة الكونية لها، بقدر ما تحميها طبقات الرمال والصخور التي تعلو الأماكن التي وجدت فيها، فإن هذه الطبقات المفصولة عن سطح الأرض بعشرات الأمتار تمتص هذه الأشعة أو الجزء الأكبر منها.
قليل من التأمل وعود إلى الحساب البسيط يجعلنا ندرك العدد الكبير من هذه الجسيمات التي تخترق هذه المومياء التي لا يحميها الآن من هذا التهدم سوى سقوف المتحف المصري، فهذه القذائف الكونية الدائمة تخترق المومياء الخالدة بمعدل قذيفة على كل سنتيمتر مربع في كل دقيقة، أي أن خمسة آلاف من هذه القذائف الفاتكة تخترق في كل دقيقة كل واحدة من المومياء الممدودة؛ بينما كان لا يخترقها في مثل هذه الفترة وهي في وضعها الأول، مصونة بالرمال والصخور، سوى قذيفتين أو ثلاث؛ وقد لا يخترقها واحدة