للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[راية الروحية الأدبية]

للدكتور زكي مبارك

فيما كتب الأستاذ الزيات والدكتور عزام عن (البلايا التي تكابدها البلاغة في هذا العصر) تذكير بغضبات ابن قتيبة في القرن الثالث، والجرجاني في القرن الخامس. وقد جاء هذا التذكير في الوقت المطلوب، جاء بعد انحراف قد يزعزع مركز مصر الأدبي في الشرق، إن لم تسنده الأقلام المصرية بأسندة متينة من الحق والصدق واليقين

وأقول من جديد أنه لا حياة للأديب مصر إن لم تكن لأهله عقيدة أدبية، عقيدة يرحب صاحبها بجميع المتاعب في سبيل الأدب الصحيح، ولا يبالي أين يكون مصرعه ما دام على وفاق مع ملائكة الفكر وشياطين البيان

والعقيدة الأدبية توجب أن نكون صادقين فيما نكتب وفيما نقول، بحيث يطمئن القراء إلينا كل الاطمئنان، وبحيث لا تخفى عليهم خافية من سرائرنا الفكرية، ولو جنحنا في التعبير إلى الرموز والتلاميح

القارئ صديق - وإن لم يتعرف إلينا بصورة شخصية - وللصديق حقوق أهمها اطراح الرياء، فمن العبث أن يخطب قوم وداد القارئ وهم لا يلقونه إلا مرائين

والأصل في الأدب أنه تعبير طريف عن أغراض الحياة والأحياء. وإنما قلت (تعبير طريف) لابدد الشبهة التي تقول بأن الأدب هو تصوير المشاعر والعواطف بالصدق الذي يماثل صدق الصورة الشمسية، فالقارئ لا يفرح بأن الكاتب حدثه عما يجول في صدره بالحرف، وإنما يسره ويبهره أن يجد في تلك الصورة ألواناً لم يلتفت إلى مثلها من قبل، على شرط أن لا يزيغه التلوين عن الصدق، وعلى شرط أن يكون الجانب الطريف اظهر الجوانب في الأداء

فأين نحن من هذه المعاني في هذا الزمان؟

من المحقق أن الأدب عندنا في ازدهار، ولكني مع ذلك أعاني ضروباً من التخوف. فالجماهير في مصر لم تشعر إلى اليوم بأن الأدب صار قوتاً لا تطيب بدونه الحياة. ولم نسمع أن الجماهير مستعدة للمساعدة على نشر كتاب يعجز عن نشره أحد كبار المؤلفين. ولم نسمع أن كتاباً أعيد طبعه عشرين مرة في اشهر معدودات، كما يقع ذلك في بعض

<<  <  ج:
ص:  >  >>