(إلى أصدقائي وتلاميذي في بغداد، ولاسيما الأحبة على
طريق الأعظمية ليذكروني بهذه الهدية كما اذكرهم دائما)
(علي)
كان فتى من أبناء التجار، بارع الفتوة، واسع الغنى، قد جمعت له اللذائذ، وسيقت إليه المنى، دكانه البحر تنصب فيه جداول الذهب، وداره الجن تجري من تحتها الأنهار، وفيها الحور العين، خمسون من الجواري الفاتنات اللائى حملن إلى بغداد من أقطار الأرض وحشدن فيها، كما تحمل إلى مخدع العروس كل وردة فاتنة في الروض، وزهرة جميلة في الجبل. . .
ولكنه لم يشعر بنعيم الحياة، ومتعة العيش، حتى اشترى هذه الجارية بخمسمائة دينار، وكان قد رآها في سوق الرقيق فرأى جمالا أحلى من أحلام الحب، واجمل من بلوغ الأماني، واطهر من زنبقة الجبل، فهام بها هياما وزاد فيها حتى بلغ بها هذا الثمن، وانصرف بها إلى داره، وهو يحسب أن قد حيزه له الدنيا، وأمتع بالخلود، واشتغل بها وانقطع إليها، ولم يعد يخرج إلى الدكان إلا ساعة كل يوم ثم لا يستطيع أن يصبر عنها؛ ويزلزله الشوق إليها، وتدركه هواجس الحب فيغار عليها، لا من الناس فما يصل الناس إليها، بل من الشمس أن تلمحها عين الشمس، ومن النسيم ان تلمسها يد النسيم، ويشعر بهذه الغيرة المحرقة في قلبه، فيهرع إليها ليطفئها بلماها. . .
لقد صار هذا الحب مصدر لذته، وسر حياته، ما كان يدري قبله ما اللذة وما الحياة، وما كان يحس انه يعيش حقا وان له قلبا، وما كان يدرك من قبله بهاء النهار، ولا فتنة الليل، ولا سحر القمر، كان عنده كالألفاظ بلا معنى، يفهم منه ما يفهمه الأعجمي إذا تلوت عليه غزل العرب؛ فلما عرف الحب أدرك إن وراء هذه الألفاظ معاني تهز الفؤاد، وتستهوي القلب. وكان يمشي في طريق الحياة كما يمشي الرجل في المتحف المظلم فطلع عليه هذا