الحب نورا مشرقا أراه هذه التحف الفاتنات وهذه الروائع. . .
وتتالت الأيام، وزاد إقبالا عليها وأعراضا عن الدكان. وكان يبصر دنياه تدبر عنه، وتجارته تذوب في ضرم هذا الغرام كما يذوب الثلج، وتتبدد كما يتبدد الندى في وهج الشمس، ولكنه لا يكره هذا الحب ولا ينفرد منه ولا يزداد إلا تعلقا به وتمسكا بأهدابه. وكان كل ما في الحياة من متع، لا يعدل عنده لحظة واحدة من لحظات الوصال، وذهب الأرض كله لا يساوي هناءة من هناءات الحب، فكان يترك البائعين والمشترين ويسعى إليها ليشتري منها اللذات والقبل.
وكانت كلما نصحته وأرادته على العود إلى تجارته قال لها: مالي وللمال؟ أنت مالي وتجارتي ومكسبي، فلا تستطيع أن تفتح فمها بجواب لان شفتيه تقيدان فمها فلا ينفتح!
وأصبح الرجل ذات يوم فإذا التجارة قد بارت، وباد المال، وذهب الاثاث، وبيعت الجواري، ولم يبقى في يده شيء يباع؛ فاقبل ينقض الدار ويبيع أنقاضها، ولم يأس على ذاهب، ولم يحس بفقد مفقود، فقد كان يلقى الحبيبة، ويجد في جبها غذاءه إذا جاع، وريه إذا عطش، ودفئه إذا برد، وفي وجنتيها ما يغنيه عن الأوراد، وفي ثناياها بديلا عن اللآلئ، وفي ريقها عسله المصفى، وخمره المعتق، ومن ريحها عطره الفواح، وفي صدرها دنياه وآخرته، ويبقى الدار خالية معها قصرا عامرا، والصحراء روضه مزهرة، والليل المظلم معها نهارا مضيئا. . .
وأثمر الحب وجاد الحصاد، ولكنه قد خالف موعده، فلم يجيء في الربيع الطلق، ولا في الصحو الجميل، بل قدم في الشتاء الكالح، والأيام القاتمة الدكناء أيام الفقر والعوز؛ أخذها المخاض فجعلت تتلوى من الألم على أرض الحجرة، وما تحتها إلا حصير تقطعت منه الخيوط، وفراش بلى وجهه وتناثر قطنه حتى اختلط بالتراب. . . وطال عليها الوجع وهو واقف أمامها يحس أن المها في ضلوعه، وان كل صرخة منها سكين محمي يحز في قلبه، ولكنه لا يملك لها شيئا، وقالت له بعد أن عجزت عن الاحتمال:
- إني أموت. . . فاذهب فاحتل بشيء تشتري به عسلا ودقيقا وشيرجا. . . اذهب وعجل، فانك إذا أبطأت لم تجدني.
وخرج. . . وصار يعدو كالمجنون. . . أين يذهب والليل قد مالت نجومه، والناس نيام في