لقد أخذ الشرق العربي يتخوف من الدول الغربية الكبرى وأخذ يشك في قيم حضارتها المادية، بعد أن خانت عهودها معه، وسخرت من عواطفه القومية، وداست على رغباته في الرقى والتقدم ويود اليوم كل عربي استكان في فترة من الزمن لثقافة الغرب ومدينته، ورضى أن يعتمد عليها في حياته المادية والمعنوية، أن يغير نظرته إلى الغرب، ويفكر في الاستغناء عنه في كل شئ. ولقد سبق طاغور وغاندي العالم العربي في هذه المشاعر، بعد أن عانت الهند ما عانت من الاستعمار الإنجليزي. فوهب طاغور العالمي النزعة والتفكير، جميع طاقاته العقلية في سبيل وضع تصميم حديث للحياة الإنسانية، استوحاه من فكرة وحدة الوجود الهندوكية، ودمج فيه حضارات الشرق في حضارات الغرب، وجمع بين زبدهما الثقافي، وأراد به أن ينشئ عقلية عالمية تخلص من ناحية من مادية الغرب وأنانية شعبه وحبه للسيطرة وإمعانه في الإباحية التي تجعل استتباب الأمن ونشر السلام في العالم مستحيلاً، وتنشر التذمر والضيق في جميع البلدان. وتتحرر من ناحية أخرى مما علق بالحياة الهندية من تقاليد قديمة عرقلت نهضة الهند وعاقت تقدم شعبه؛ فإن التشاؤم واحتقار الحياة وتحاشى الانغماس فيها، قضى على نشاط الهنود المادي، وأدى إلى تأخرهم في مختلف نواحي النشاط الإنساني، فأنتج نتاجاً فكرياً روحياً إنسانياً عالمياً، يخلو من شوائب الحضارات الهندية وضلالات الحضارات الغربية، ومن نقائض المدنيات القديمة والحديثة والمعاصرة جميعاً، وتدعمه الأصول الروحية، ويرفع من صرح الأخلاق والفضيلة والدين، ويعطى للعلم والفن والعمل قيمة جليلة في الحياة البشرية. بينما هب غاندي الزعيم الوطني، يجاهد في سبيل حرية الوطن بسلاح معنوي استلهمه من فكرة الحب والتسامح التي تكاد تنادى جميع كتب الهند الدينية بضرورة اتباعها؛ واستغلها بدهائه الروحي في مقاومة الاستعمار البريطاني في الهند، واتخذ من المقاومة السلبية التي أقامها على اللين وعدم الانتقام، سبيلاً دينياً لإشعال الحمية الوطنية وتقوية الحماسة القومية، ونهجاً سياسياً يرد به للهند استقلالها، ويمنحها حريتها المسلوبة.