للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[صورة]

المولد الأحمدي

للأستاذ إبراهيم بك جلال

خرج أهل القرى جماعات وقوافل من أسفل الأرض ومن صعيدها فكانوا أسراباً يتعاقب بعضهم على آثار بعضه، يزحمون السبل المعبدة وأشباه السبل، قد شمر الرجل عن ساقيه، وبسط على الساعد قضيباً تناط به صرة جافة، وإلى يمينه آخر ينوء كاهلاه (بغرارة) من تلك الأقراص، وثالث به رمق من سعة يوهم جاريه أن تحته مطية ويظل يحرك ساقيه كلما تحركت المطية

أما المرأة فتضن بخفيها على البلى فتجمعهما على أم رأسها فإذا أوفت على المدينة آوت إلى الخفين تمشي فيهما حجلا

وغالب هذا الحجيج مشاة حفاة سرابيلهم من أسمال ومظاهرهم فاقة ومسكنة، نفروا خفافاً متوسمين فضلة الموائد ونهلة من طعام الحضر وحلواه

وفيهم صنوف وألوان من أهل الطريق تنم عليهم تلك القلانس وما يتدلى من عذباتها، وبأيديهم أعلام مصبغة، وحولهم صنوج تدق وطبول تدوي كأنصار المهدي يوم فتح السودان. فإذا غربلهم ناقد خرج ببضعة نفر من أهل العلم والتقى قدموا حسبة وقربى لله يذكرونه في تقى وخشية، ويتعففون عن قرابين هذا العيد، طعامهم أقراص وتمر، ومضاربهم مقفرة من زهو الدنيا، مهادهم بواري بسطت على أديم الأرض يؤثرون بها الزائر فيحل بين أدب واتضاع وعلم

أولئك هم مصابيح الدجى، وأعلام الهدى لمن كانت هجرته لله ورسوله

وفي المدينة دعة وجاه، ونسق جميل ومصابيح وبنود تخفق فوق الدروب وبأيدي الناس، وترى السوق المفضية إلى كعبة هذا الحجيج قد ترامت فيها السلع أكداساً على المناكب وفي الحوانيت، وفيها القمص والجوارب والنعال والأكسية والقلانس والجباب، ويليها عرائس الدمى المزوقة، والدفوف الموشاة، والأساور والأقراط والخلاخل والعقود والمرايا، وكل طلي تحبه بنات القرية وبنوها، ويلي ذلك باعة الحلوى والحمص جاثمين على الموائد يلوحون بالجواليق

<<  <  ج:
ص:  >  >>