ويجوس الخلال باعة الشراب يدقون الكؤوس، وبين هؤلاء وأولئك يندس جماعة السراق يفترصون الغرات ويفرون بأسلابهم
وللمتسولة جنود أهل بأس يرودون الأسواق والمضارب والمشارب كالذباب حول الموائد ولهم أديم من معدن الصفاقة وجلد على هوان النفس في المسألة
وإن تلك الجموع الزاخرة من أهل القرى لتحوم حول كل متجر ويمنعها الإملاق من أن تمد له يداً حتى لكأنها الحرب الضروس بين العرض الملح وبين تنحي الناس وإعراضهم وكأنما أقيمت مناحة للكساد موتاها سلع البلاد
وتبلدت ألوف الدهماء في مواقفها فنثرتها سياط الشرط بدداً ثم جمعتها يمنة ويسرة، وكلت المناكب بباب المسجد، وعز الولوج لغير السواعد وأهل البأس، وإنك لتحس بين الضجيج أنات لأضالع وأعناق تدق ثم تنجلي عن شيوخ وغلمان ونسوة يزخرون بين الصحن والرواق وحول المحاريب ولهم دوي كألسنة الرعود لا يرعون جانب الله وما ينبغي لحرمة بيته من سكينة وخشوع فيحملون على الأكف كل أبرص ومجذوم ومعتوه. ويلوذون بأشباه الرجال ذوي الأزياء المنكرة من التمائم والمسابح ويرفعون عقائرهم بالرجس والإثم عدواناً على هذا الدين الحنيف، وإيلاماً لذلك التقيِّ المغيب في آزال الله وكرامته
وعند باب الضريح طائفة من السدنة من أهل الخطر والعزة في الرقيق الموشى من الديباج وعلى تيجانهم سمات الحسب العالي يرمقون صفوف العواد والزائرين حين يلجون الباب وحين يعرجون، ولهم آذان مرهفة لترتيل آيات الذهب والفضة في خزائن النذور
لقد كان النبي صلوات الله عليه جد هذا السيد البدوي يدعو لشد الرحال إلى ثلاثة: إلى بيت الله الحرام، وإلى الحرم المدني، وإلى بيت المقدس بغير مزيد
فما أشد وجيعة ذلك السبط الهاشمي، وأهل مصر يتخذون قبره مثابة للناس. وما أبعد الوجيعة في قلوبنا معشر آل بيت النبي