الموازنة - إذا أريد لها أن تقوم على أساس عادل سليم - ينبغي أن تكون بين شيئين متكافئين - تقريباً - إلا من فروق دقيقة لا يميزها إلا ناقد فاحص أوتي من حدة الذكاء، صواب النظرة، وإرهاف الذوق، حظاً موفوراً. . . وليست الحال كذلك في الموازنة التي أجراها حضرة الأستاذ الفاضل (محمد عبد المنعم خفاجي) بين قصيدتين (من عيون الشعر الجاهلي) أولاهما معلقة عمرو بن كلثوم، الأخرى مجمهرة أمية بن أبي الصلت. إذ أنهما غير متكافئين كما أنهما ليستا من طبقة واحدة. والفروق بينهما واضحة، لا تحتاج إلى أعمال فكر، أو إجهاد ذهن، وليس هذا من عندياتنا ولكن ما يقرره حضرة الكاتب الفاضل أثناء كتابته، فهو يعترف بأن هناك فروقاً فنية كبرى (لا دقيقة) لاحظها النقاد بين القصيدتين، وقد ترتب على هذه الفروق التفرقة بينهما فوضعت الأولى (معلقة عمرو) في صف المعلقات، ووضعت الثانية في صف المجهرات.
ويعترفأيضاًبأن معلقة عمرو وتمتاز بأنها الأصل الذي نسج على منواله أمية) فأمية إذن لم يأت بجديد خالص وإنما قال متأثراً عمراً في معلقته، حتى أن بعض أبيات قصيدته جاءت مشابهة لابيات من قصيدة عمرو مشابهة تامة حيناً وتكاد تكون تامة حيناً آخر كما يقر بعدم التكافؤ بين القصيدتين حين يقول (إن شاعرية عمرو في معلقته أقوى وأبين من شاعرية أمية في مجمهرته سواء في الأسلوب أو المعاني أو الأغراض أو مدى الجودة الفنية ومواهب الشعر) فهو يفضل المعلقة تفضيلاً مطلقاً، ويحلق بها في آفاق السمو الفني، بينما يهوى بالأخرى هوياً عميقاً، ويلقي بها في قرارات سحيقة من الضعف الأدبي، وقصيدتان هذا شأنهما حوج إلى (ميزان طبلية) منهما إلى (ميزان حساس) يرى بدقة فروقهما.
بل هناك أكثر من هذا، فهو يرى أن أمية نظم مجمهرته في شبابه (قبل أن تكتمل شخصية أمية الفنية)، ورغم كل ما تقدم مما يدل علة عدم ارتكاز الموازنة على أسس سليمة، وبالرغم من هذا الفارق الكبير بين شاعرية عملاق من عمالقة الشعر الجاهلي وشاعرية - أمية - التي لم تكتمل - حين نظمت القصيدة - أسباب القوة والخصوبة، تجري الموازنة. . .! ولا شك أنا مجحفة غير عادلة.
والتطويل ظاهر في الأسلوب، ومن ظواهره الاستطراد والتكرار، فيكفي أن يذكر الأستاذ أن قصيدة أمية هي إحدى المجمهرات حتى يستطرد فيعددها ويوازن بينها، ويذكر مطالع