نعم للفقير عيد إذا أردنا به الشعائر الدينية والقومية؛ فهو يصلي العيد، ويزور المقبرة، ويعيَّد على آله وصحبه، ويُكرِه السرور النافر على الإلمام ببيته وقلبه، ويجعل من المساجد والحدائق والميادين مظاهر إخلاص وشكر لوطنه وربه
فإذا أردنا بالعيد التقلب في وثير الفراش من غير صلاة، والتنافس في ذبح الكباش من غير تضحية، والتأنق في الزينة والثياب، والتفنن في الطعام والشراب، والتبسط في اللذة واللهو، والتهادي بين التيه والزهو، فذلك عيد الباشا والأمير، لا عيد المسكين والفقير
وا رحمتا للفقير قبيل العيد! يرى متاجر الملابس واللُّعب والحلوى قد ازَّينت واجهاتها البلورية بالعُروض الجذابة والنماذج المغرية، فينظر إليها نظر الراغب المحروم، ويذكر أطفاله الغارَّين في حنانه وهم يحلمون بالثوب الجديد واللعبة المسلية والأكلة الشهية والنزهة الممتعة، ويعتقدون أن أباهم قادر على أن يجعل عيدهم سعيداً وحلمهم يقظة، فيكرُبه الأسى وتصيح الحسرة في نفسه:
- حنانيك يا رباه! هذه نعمك واسعة سابغة، ولكن القدر لحكمة لا يدركها البصر المحدود جعلها لغيري لذة بالقدرة. ولنفسي ألماً بالعجز، ولأولادي شقاء بالحرمان. فليت القدرة تعرف الرحمة، وليت العجز يدرك المعونة، وليت الحرمان يخطئ الطفولة، وليت الأيام تمضي إلى غايتها من غير عيد ولا موسم!!
إن الأعياد مذلة للوالد الفقير وفضيحة للبيت البائس! ففي الأيام الأُخَر يستطيع العائل المسكين أن يغلق بابه على بؤسه، ويرَوُض أهله على مكروهه؛ ولكنه في العيد لا يستطيع أن يضرب على الآذان، ولا أن يختم على العيون، فإن المدافع تقصف في القلاع، والمزامير تعزف في الشوارع، والناس يزيطون في الملاهي، والأطفال في المراكب والمواكب يرفلون في الوشى ويلهون باللُّعب، فأولاده لابد سائلون:
يا أبانا، أين الثوب الذي نلبس، واللحم الذي نأكل، والقرش الذي ننفق؟ أهذا العيد لناس دون ناس، أم هو ذو وجوه شتى منها العابس والباسم، ومنها الدميم والحسن؟ ولَم آثرَنا نحن يا أبانا بهذا الوجه الشتيم الكالح؟
لو كان هذا الرجل في أمة مؤمنة محسنة لأجاب بنيه بقوله: