الروح القومية عاطفة عامة، وإحساس مشترك بين بني الوطن الواحد، تشعرهم بأنهم مجموعة من الناس، من الخير لهم أن يأتلفوا ويتحدوا، ليكون لهم من وراء ذلك قوة يستطيعون بها أن يتغلبوا على صعاب الحياة وعقباتها، في الداخل والخارج، وتحدد لهم أهدافاً خاصة يرون فيها حفظاً لكرامتهم، وإحقاقاً لحقهم، وتغذية لنزعاتهم، وإقراراً لآمالهم.
ويتركز حب هذه الأهداف في نفوسهم تركز العقيدة، إيماناً بها وإيثاراً لها. لذلك يسعون جاهدين في سبيل بلوغها، مضحين بكل مرتخص وغال، من رأي ونفس ومال.
والروح القومية في الأمة مثلها مثل الكائن الحي، يولد ويتغذى وينمو ويقوي ويعمل ويوجه. ولها عوامل لميلادها وغذائها ونموها وقوتها، كما أن لها عوامل مضادة مناقضة، إذا هي صادفتها أضعفتها، وكبتها وأماتها.
وعوامل نموها وقوتها كثيرة متعددة لا مجال لحصرها والحديث عنها الآن، ولا لتوضيح أثرها؛ ولكننا نذكر أن من بينها اتحاد أبناء الوطن قي الوطن واتفاقهم في الجنس واللغة والدين وتجانسهم في الثقافة وتعرضهم لعوامل اقتصادية مشتركة أو لأخطار خارجية أو داخلية متشابهة، وكذلك قيام أفذاذ الرجال من بينهم وقادة الفكر الذين ينزعون نزعة وطنية خالصة من الشوائب، فيوقظون وينبهون ويحمسون ويوجهون، ويضرمون نار البعث والنشور، حتى تفيق الأمة من سباتها، وتتنبه من غفلتها، وتعرف لنفسها كرامتها وحقها، وتسعى لإدراك آمالها.
ومن عوامل لإضعافها تتابع الغارات الخارجية وطول العهد بالاستعمار، وضعف الثقافة واضطرابها، وانتشار الأوباد واستبداد الولاة ونحو ذلك.
وبمقدار ما يتاح للأمة من عوامل القوة، تذكو فيها الروح القومية، وتنشط النزعات الوطنية، ويقوى الرأي العام، ويفرض مناهج الأمة في السياسة والإدارة والاقتصاد والتعليم والأوضاع الاجتماعية، وغير ذلك.
وبعد فهل كانت بهذه البلاد المصرية العزيزة إبان العصر المملوكي روح قومية ونزعات