في ذمة الأدباء من أهل هذه اللغة الكريمة للأدب العربي من ناحية، وللروح العلمية السائدة من ناحية أخرى، دين لا معدل لهم عن أدائه، ولا مترخص لهم في الوفاء به، إذ كان مرجع الأمر فيه شخصيتهم المعنوية التي يظهرون بها، والى كيانهم الأدبي الذي لا حياة لهم من دونه، والى شعورهم بالروح العلمية المتغلغلة في كل عناصر الحياة ومظاهر الوجود. ثم هو متصل فوق هذا بالقومية التي نفاخر بها ونحرص على توثيق عراها وتقوية أسبابها. ذلك هو العناية بتاريخ هذا الأدب الذي تمده خمسة عشر قرناً عناية تظهر، فيما أحسب، في كتابة هذا التاريخ، وإقامته على أسس قوية من أساليب البحث العلمي، ومناهج النقد الأدبي، والتبسط في ذلك بما يطوعه الجهد الواسع، والنفس الممتد، والعزيمة القوية، والروح العلمية المتبصرة، والرغبة المتوثبة في إقامة كياننا المصري على أقوى ما تفاخر به الشعوب وتعتمد عليه الأمم، فما أحسب أن أدب أمة من الأمم بلغ من سعة المادة، وامتداد العمر، ومجاراة الحية، ومساوقة الزمن ما بلغه الأدب العربي، ثم لا أحسب أن أدب أمة من الأمم مني بما مني به هذا الأدب من إغفال أهله أن يقيموه على أسس هذا العصر.
فتاريخ الأدب عندنا علم حديث النشأة، غض التكوين، لا يكاد يرجع ميلاده إلى ما وراء الجامعة الأولى، ولا يكاد يثبت في طريقه لما يحتوشه من أسباب الضعف، وما يعوزه من عناصر الحياة، وما يحيط به من شتى العوامل التي تثبطه وتصده وتحمل عليه بما لا يحتمله الجلد القوي بله الضعيف الواهن، وإنما هي القوى الذاتية التي تمسكه، فمن أقدس الواجبات علينا لقاءه أن نمكن له الحياة، وأن نوفر له العناصر التي يقوم بها كيانه الصحيح، وهي تتلخص في أمرين لابد منهما: تقرير الأسلوب العلمي، واستجماع المادة التي يتكون منها تاريخ الأدب العربي.
أما أول الأمرين فقد كفانا مؤونته الأستاذة الأجلاء الذين شقوا لنا ذلك الطريق، ووضعوا أمامنا معالم البحث العلمي، وبصرونا بمناهج النقد والتمحيص والموازنة وما إلى ذلك.
أما المادة التاريخية فهي العنصر الأول في كتابة التاريخ، وكلما توفرت لدى الباحث،