للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واتسعت نواحيها، وتنوعت أبوابها، وتعددت مذاهبها، وكثرت الأيدي التي تقدمها، وأخذت تضرب في شتى جهات الحياة، وتتناول الأطراف المختلفة، كان المؤرخ أكثر توفراً على بحثه، واستضاء أمامه العصر الذي يؤرخه، فأخذ يصفه وصفاً أشبه باليقين، ويقرر التيارات الأدبية فيه تقريراً أقرب إلى الحقيقة، بعد أن يكون قد نظر في أجزاء هذه المادة نظر الناقد البصير، فجعل يوازن بينها، ويقارن بين مختلف أجزائها، وليكن هناك ما يكون من التناقض في الروايات، والتضارب بين الأقوال فذلك، فيما أحسب، أدعى إلى استبطان الحقيقة المستكنة في ثنايا هذه الاختلافات، وأقرب بالباحث إلى ثلج الصدر وبرد اليقين.

والأدب العربي يملك من هذه الناحية ثروة طائلة بالرغم من عوادي الزمن، والنكبات التي أصابت المكتبة العربية في مناسبات مختلفة، ولكنها ثروة ضائعة لا تجد من يستغلها إلا قليلاً، إذ لم يقدر لها من ينشرها من قبورها، ويبعث فيها الحياة التي تعرفها، حتى يستطاع استغلالها، وإنما هي جهود ضئيلة بالنسبة إلى عظم العمل وجلال التبعة.

ولقد تقدمنا الفرنجة في هذا السبيل حتى أخجلونا وأبهظوا عاتقنا بفظلهم، وضربوا لنا خير الأمثال بما نشروا من كتب، وما قاموا به عليها من عناية بتصحيحها وفهرستها ومقارنتها، في تواضع العالم المخلص، وهدوء الباحث المستبصر. فدلوا بهذا على روح علمية ثابتة الأساس، ومعرفة حكيمة بطرائق البحث الصحيح.

لست الآن بصدد البحث عن جهود المستشرقين العظيمة المتوالية في سبيل الأدب العربي، وإنما سبيلي الآن أن أتحدث عن كتاب من خيرة الكتب التي كادت تتلاشى في غمار القرون وثنايا النسيان وعوادي الإهمال، فنشره مستشرق ناشئ، هو المستر هيورث دن، وخلع عليه هذا المظهر الذي تتجلى عليه الروح العلمية في بهائها ورونقها وجلالها. ذلك هو كتاب الأوراق لأبي بكر محمد بن يحيى الصولي المتوفى سنة ٣٣٥.

والصولي إمام من خير أئمة الأدب، وكاتب من أفضل الكتاب الذين تزدهر بهم تلك الفترة من الزمن، وعالم ضليع غزير المادة، جيد الرواية، يروي عنه أبو الفرج كثيراً في أغانيه، وأستاذ جليل تخرج عليه كثير من رجالات ذلك العصر مثل أبي عبد الله محمد بن عمران المزرباني، وهمك من رجل وناهيك من عالم. وقد ترك ثروة كبيرة من الكتب الجليلة في قيمتها الأدبية والتاريخية، نقرأ بياناتها في كتب الفهارس، ثم ننطوي على أنفسنا حسرة

<<  <  ج:
ص:  >  >>