أهاب بها فرفعت رأسها، وفتحت منخريها، وحدقت طويلاً في مصدر الصوت، ثم نفرت مقتحمة الغابة، قاصدة ناحية أعدائها. ولما اقتربت منهم وتأكد لديها اكتشافهم لها واقتفاؤهم أثرها، غيرت وجهتها وشرقت بهم مبتعدة عن ولدها فأصبح في مأمن من الشر.
تضاءل النباح ورائها، فوثقت من فوزها، وولت وجهها شطر الشمال تود القيام بدورة تعيدها حيث تركت فطيمها، ولكنها ما عتمت أن سمعت صوتاً جديداً يقابلها، فانطلقت إلى الأمام تجتاز الوادي.
هذه صلصلة أجراس القرية تدوي في الفضاء، ويتجاوب صداها، لقد أصبحت على مقربة من أكواخ الفلاحين. هنا أيضاً أعداء جدد لم تحلم بهم. سدت في وجهها الطرق، وأغلقت المفاوز، وأحاط بها الصيادون من كل جانب - رحمتك اللهم! ألم تدع للشفقة مكاناً في ذلك الوادي الزاهر حين خلقته؟ ولا للرحمة موضعاً في تلك القلوب حيث كونتها؟
الكلاب تفاجئها من كل ناحية، وسكان القرية يطاردونها رجالاً ونساءً وأطفالاً، يود كل منهم لو يظفر بها غنيمة باردة.
تذكرت الظبية طلاها فتجدد أملها بلقائه، وسلكت طريق القرية مرغمة بين نبوح الفلاحين ودوي البارود.
اعترضتها بحيرة قريبة، فألقت نفسها في الماء تشق صفحته، وتسبح بقوة عجيبة، لقد خارت قواها، ولم تعد سيقانها الضئيلة تساعدها على المضي في طريق النجاة.
لكن الأمل العذب - سر الحياة - كان يهيب بها دائماً لاقتحام تلك الغمرات، حتى وصلت الشاطئ فأبرت مطمئنة، وتمثلت أنيسها يبحث عنها في وحشته، فهرعت تريد احتضانه، ولكن هل نجت المسكينة من هذا العذاب الطويل؟
صياد جديد كان يترصدها فاستقبلها برصاص بندقيته فوقعت جثة هامدة. .