الأعشاب اللينة برقة وهناءة، وتلفت جيدها محدقة في فطيمها الصغير، ورفيقها الوحيد في هذه الوهاد القفرة، وهو مضطجع قريباً منها على فراش وثير من البجلة.
لقد أخذت البقع العفراء الساحرة تغشى جلده الناعم فتكسبه روعة وبهاء؛ فهي معجبة به، تحنو عليه، وتحيطه بنظرات العطف كلما بدرت منه حركة دلت على خوف أو ألم، وهو يتحفز للوثوب خلفها وجلاً كلما خطرت مبتعدة في طلب العشب.
صورة رائعة للأمومة التي تعطر جو الحياة الكئيبة، والثقة التي تخفف من شقائها.
رفعت الغزالة رأسها بسرعة البرق، هل سمعت صوتاً؟ ربما كان ذلك حفيف الرياح الجنوبية تخترق الغابة؛ فالسكون الرهيب مخيم على الوادي، والسكينة سائدة في كل مكان.
رنت الظبية بطرفها، وألقت نظرة اطمئنان على رشأها ثم تابعت رعيها. وفجأة رفعت جيدها واشرأبت تجيل الطرف في أنحاء الغابة، وهي ترتجف من الخوف. . . هناك صدى صراخ متواصل يخترق الوادي، أصغت قليلاً فتأكد لديها نباح كلب يدنو رويداً من كناسها الأمين.
كان الوقت كافياً لمرحلة طويلة تطويها مبتعدة عن الصيادين. ولكن وحيدها الظبي الألوف، وأنيسها في هذه الوحشة، فمن ينقذه؟ هو لا يستطيع اللحاق بها، فلمن تكل أمره، ولمن تتركه؟. . .
تنابحت الكلاب غير بعيد، وتجلى للغزالة الخطر المحدق بهما، فوثبت بعض خطوات إلى الوادي تبحث عن ملجأ أو مهرب! وهب رشأها مذعوراً وهو يبغم متعجباً.
أغربت الظبية ثم ألقت نظرة وراءها، فرأته يتتبعها بسيره البطيء، وهو يتعثر متألماً من الجذوع الخاوية على الأرض، والأشواك التي تعترض سبيله. تابعت الأم سيرها واستمر وحيدها لاحقاً بها يتعثر ويستغيث، لأن البون أصبح شاسعاً بينهما - كائن صغير من مخلوقات الله لا يقوى على احتمال الألم والخوف والتعب، فوقع على الأرض! تصايحت الكلاب وتقاربت، واشتد نباحها. وأحدق الموت بهذين البريئين من كل جانب؛ فدنت المسكينة من صغيرها تلحس بلسانها بشرته الرقيقة الناعمة، واضطجع هو آمناً بقربها، مطمئناً بعودتها، ثم ما لبث أن أغمض أجفانه من التعب.
فكرت الغزالة في تخليص صغيرها من مخالب الكلاب ورصاص الصيادين، وكأن صوتاً