قلت: إنما أنت تفصلين في أمر مستقبلك، فليس هنا لأحد عليك سلطان.
فحدقت فيّ طويلاً كأنما تلتمس المعونة، ثم حولت النظر إلى أخيها فإذا في عينيه كلام طويل، فأطرقت وهي تقول في همس:(نعم لقد أبرأته. . . .!)
والتفت إليها الرجل يصوب النظر ويصعده، ثم نطق بالكلمة الفاصلة. . .!
وتحولت إلى الرجل فأنكرته، وأقسم لكأنما لم أكن أعرفه من قبل، وما كان في بالي أنه صديقي عاطف. لقد انطفأ بريق عينيه كأنما ينظر من خلف زجاجة؛ وغاض ماء الشباب من وجهه، فما تراه إلا كوردة الخريف؛ وقد أطلق لحيته، كأنما تركت لطمات القدر في عارضيه سواد حظه؛ وكانت في يده سبحة، أحسبه كان يحصي عليها همومه وأحزان نفسه؛ وما رأيت شيئأ أبيض - فيما رأيت - إلا عمامته. . .!).
قلنا:(عمامته؟. . عهدنا به لا يلبس إلا الطربوش. . .!).
قال:(نعم عمامته، فاستأنوا. . . قلت له: ما فعلت بك الأيام يا عاطف؟
قال: ذاك ما ترى. ولقد أقسمت أن أفرغ لله، فلم تعد لي في الزواج إربة، ولن تراني إلا بين المسجد والبيت حتى ألقى منيتي! حسبي، حسبي ما لقيت من دنياي. . .! وانكب على سبحته يتمتم والحبات تتساقط في الخيط واحدة فوق واحدة، ورأسه يهتز كأنه يقول: كذلك تتعاقب الأيام كما تتساقط الحبات حبة وراء حبة، حتى تكون النهاية، حتى يكون الموت. .! وما وجدت عندي جواباً إلا أن أتحول وأدعه حيث يجلس يداعب سبحته. أتراه كان يذكر الله، أم يسب الدنيا. . .!).
لقد راح المسكين يبحث عن الزوجة الغنية ليضاعف بمالها ماله، فآب فقيراً من مالها ومن ماله؛ وذهب يسعى لأن يضاعف بالزواج مسرات الشباب، فرده الزواج شيخاً في الثلاثين!
محمد سعيد العريان
صيد الغزال
بقلم: شفيق نقاش
في صباح يوم من أيام أغسطس العصيبة، كانت الغزالة ترعى في جبل البازين تقضم