للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[منتسكيو آراؤه ومثله]

للأستاذ إسماعيل مظهر

إن أسم منتسكيو لأسم عظيم. والأثر الذي خلفته أعماله ينزل من الخلود في داخل أوربا وفي خارجها منزلة تمهد لمن يريد أن يترجم له أن يتصل به منتحيا طرقاً شتى ومداخل متفرقة. ذلك بأن أعمال هذا الرجل العظيم قد تركت أثراً رئيسياً في جميع ما ظهر في عالم الفكر من النظريات السياسية، حتى أن كاتباً من اشهر كتاب هذا العصر قد ذهب في نقد نظرياته مذهباً قضى فيها بأنها أول ما مهد لظهور فكرة (العقد الاجتماعي) التي كونها (رُوسُو) ودافع عنها أبلغ دفاع. ولا شك في أنك تبهر بعبقرية هذا الإنسان الفذ إذا علمت أن نظرياته السياسية كانت العمدة في صوغ دستور الولايات المتحدة، ومن هنا كان اثر (منتسكيو) عظيماً في الترويج للفكرات والمبادئ التي قام عليها الدستور الإنجليزي، كما كانت باكورة الدراسات العميقة التي تناولت بدايات التكوين السياسي الذي نشأ في فرنسا خلال القرون الوسطى. فكان بمجموعه أعماله ودراساته وأفكاره من الرجال الذين عبَّدوا الطريق للثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر

لهذا يجدر بنا أن نمهد للكلام في الترجمة له بذكر شيء من الأطوار التي تقلبت فيها حياته السياسية. فقد كان (منتسكيو) رئيساً لمحكمة (بوردو) العليا، وهي أول هيئة تشريعية إقليمية كانت في فرنسا. وكان أعضاؤها يطمعون في أن يكون لهم مقاعد في محكمة باريس العليا. غير أن محكمة العاصمة الكبرى لم تذعن لهذا المطلب. لهذا ظلت النزعة (البرلمانية) جلية الأثر جد الجلاء في كل ما كتب (منتسكيو)، بالرغم مما كان يطنب فيه من الالمامات التاريخية المستفيضة وتعلقه في مجال البحث الاجتماعي بمعالجة مشكلات أوربا خاصة؛ والإنسانية عامة. فيجب أن نعي إذن ذلك الأثر المزدوج الذي أحدثته المحاكم العليا في تاريخ فرنسا. فإنها كانت حتى نهاية القرن السادس عشر الأداة الرئيسة التي اتخذتها الملوكية المركزية، ذريعة لمدِّ نفوذها، وتثبيت سلطانها، اتقاء لنفوذ النبلاء ومطامعهم من ناحية، ودرءاً لسلطان الكنيسة من ناحية أخرى. وكانت هذه الأداة مجدية في إضعاف نفوذ النبلاء الموروث، وهو نفوذ يتضمن فيما يتضمن سلطاناً واسعاً، مالياً وإدارياً

وكانت الخطة أن تقرر المحاكم العليا أن من حقها النظر في (الدعاوى الملكية) التي كان

<<  <  ج:
ص:  >  >>