للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كبراء أصحاب القطائع يرغبون في أن تنظر أمام محاكمهم الخاصة. وكذلك قررت تلك المحاكم على اختلافها، أن من حقها النظر في الدعاوى التي يقتضي النظر فيها انتقاصاً من سلطان الكنيسة، قضائياً ومالياً. ولا شك في أن القوة الباطشة التي حازتها الملوكية المركزية في فرنسا في القرن السابع عشر، كانت نتيجة لأشياء ثلاثة: الجيش، ومجلس البلاط، والمحاكم العليا

ولم تكن المحاكم العليا عند أول نشأتها في فرنسا، إلا جزءاً من مجلس البلاط. وكان من أثر هذه المحاكم كما يقول (هانوتو) أن احتفظت فرنسا بوحدتها، ولم تمزق ولايات متفرقة

وفي أخريات القرن السادس عشر حدث انقلاب، ساد محاكم فرنسا العليا، وظهر أثره واضحاً في روحها المعنوية وفي عملها. فإنها بدأت تستمسك بقوة بكل ما يدعي الملك من حقوق الدولة، لتقضي بذلك على ما بقي لكبار أصحاب القطائع ورؤساء الكنائس من الامتيازات. غير أنها، بجانب هذا، بدأت تظهر بمظهر الأداة المستقلة عن إرادة الملك أيضا. فكانت بطبيعة تكوينها وتاريخها، الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن تعارض إرادة الملك آمنة رخية البال. ذلك بأن أعضاء هذه المحاكم كانوا يملكون بالوراثة حق الجلوس فيها. ولم يكن من الهين أن يسلب واحد منهم حقه فيها، حتى أن (رشيليو) في كتابه (العهد السياسي)، قد عبر بعمق عن الأخطار التي يجوز أن يواجهها العرش من نفوذ أعضاء المحاكم العليا، أو من مسلكهم الذي يسلكونه عند الضرورة. وعصر (الفروند) والسنوات الأخيرة من حكم الملك لويس الخامس عشر، وقد حققت كل ما جال في مخيلة (رشيليو) من المخاوف. ومجمل ما نرمي إليه من هذا كله أن نوضح أن (منتسكيو) كان يرى أنَّ الوظيفة الأولى للمحاكم العليا إنما هي في أن تصمد لقوة الملك وأن تحد من سلطانه: قال:

(إن هذه الهيئات - المحاكم العليا - من أبعد الأشياء تلاؤماً مع طبع الملوك. فإن أعضاؤها كثيراً ما ينغصون على الملك بسرد حقائق غير مرغوب في سماعها ولا يتصلون بالملك إلا لعرض الشكايات الحق. وأنت إذ ترى أن فئة البطانة الملكية تلقي في سمع الملك دائماً أن الشعب في رغد وسعادة في ظل الحكومة، إذا بتلك المحاكم تظهر ما في أقوال هؤلاء من كذب ونفاق، وتقرع مسامع العرش، حيناً بعد حين، بصدى تلك الأنات العميقة الجافية التي تتنفس عنها صدور أولئك الذين يمثلونهم)

<<  <  ج:
ص:  >  >>