لما فرغ الآلهة من خلق العالم السفلي، دعوا إلى حضرتهم الشاعر الذي كان قد سئم الإقامة بجوارهم وقالوا له:(إن الحياة هنا كما نرى عابسة لا تسرك أيها الشاعر، إنك في حاجة إلى التسلية. . إذهب إلى العالم السفلي الذي فرغنا من خلقه عساك تسر بما تشاهد هنالك من مناظر وملاه، ولسوف تدهشك أخلاق الذين أسكناهم إياه. . إنما يجب أن نحذرك تعاطي مخدر يتناوله بنو البشر يدعى الحب، لأن هذا المخدر قتال وإن كان لذيذاً، وبخاصة لقلب شاعر رقيق. .)
انصرف الشاعر من حضرة الآلهة بعد أن سجد لهم شكراً على هذا العطف، ثم تناول مظلة ففتحها ثم هوى بها في الفضاء آخذاً طريقة إلى الأرض. . ما كاد شاعرنا يهبط حتى عرف أن البشر مقسمون إلى ثلاث طبقات: العظماء، والأوساط، والفقراء. . قصد الشاعر طبقة العظماء على ظن أن هذه الطبقة تجمع ولا شك خلاصة الناس وأرقاهم. . وهنالك وجد الشاعر قصوراً فخمة حليت جدرانها بالذهب وكسيت بالحرير، ولكن اشتدت دهشته حينما وجد حجرات هذه القصور قد انقلبت إلى معامل للدسائس يديرها الحقد، والطمع والغرور. . كما أنه شاهد في هذه القصور أناساً تبهر ثيابهم الأنظار بوشيها الفاخر العجيب، ولكن قلوبهم ويا للأسف! صيغت من النحاس. . أنصرف الشاعر عن هؤلاء العظماء وهو خانق لما شاهد فيهم من أخلاق لا تتفق ومثله العليا. . ثم قصد الطبقة الوسطى. . فوجد قوماً يجدون ويكدون في جمع المال، فإذا حصلوا عليه أخذوا يحاكون طبقة العظماء محاكاة القرد للإنسان. . عاف الشاعر هذا المنظر أيضا فانصرف إلى عالم الفقراء عساه يجد في النهاية مثله العليا لدى هذه الطبقة القانعة المتواضعة. . فوجد الشاعر قلوبا تحاكي الماس صفاء، ولكن وجد بجانبها ويا للأسف! بؤساً وانحطاطاً وأموراً لا تتفق وروح الشاعر الأرستقراطية. .
ضاق الشاعر بالبشر ذرعاً فقصد الخلاء، فرأى فيه أودية ناضرة، وأنهاراً زاخرة، وزهوراً بهيجة الألوان، وبلابل تكاد تنفجر حناجرها الصغيرة من كثرة الألحان. . حقا، ً كلها مناظر