جميلة، ولكن أين هذه الطبيعة المتواضعة من حدائق الآلهة الغناء حيث كان مباحاً للشاعر النزهة والتروض في أي وقت شاء؟. . يئس الشاعر من العالم السفلي وكاد يعود إلى السماء، إلا أنه فكر في اللحظة الأخيرة في تناول مخدر الحب الذي حذرته منه الآلهة، لأن النفس تواقة بطبيعتها إلى استيعاب المحظور وكشف المستور
كان الشاعر كلما قصد صيدلية يسألها هذا المخدر شبعه أصحابها إما بالسخرية، وذلك إذا ظنوه مجنوناً، وإما بالغضب، وذلك إذا ظنوه عابثاً. . . ولما يئس من الحصول عليه، رجع إلى الخلاء فجلس هناك فوق ربوة في مكان تظلله شجرة صفصاف متهدلة الأغصان، وهو مطرق الرأس، فأطل عليه حينئذ ررزور فضولي من فوق غصن وقال: فيم تفكر أيها الشاعر الصديق؟ فقص عليه الشاعر قصته لعل هذا العصفور يهديه إلى ما يريد، فهو دائم الحركة والتنقل في حدائق البشر وحقولهم، فلا شك أنه يعرف عنهم أشياء كثيرة. . .
أغرب العصفور في الضحك من قول الشاعر حتى كاد يسقط من فوق غصنه وقال: تبحث عن الحب؟ هاكه! ثم أشار إلى مكان آخر من الربوة ظلله كذلك الشجر الكثيف، فنظر الشاعر حيث أشار فوجد فتاة آية في الحسن، تجلس وحدها تغزل الصوف. . أخذ الشاعر لجمالها الرائع وأدرك معنى الحب من نفسه حينما حل هذا الإكسير العجيب في قلبه. .
ثم أخذشاعرنا يتدفق في إنشاد الشعر فعجب من السهولة التي صار ينشده بها، ومن أن هذا الشعر أصبح أرق وأعذب من قبل. . ودهش من أمر هؤلاء الآلهة الذين يحرمون مثل هذا المخدر العجيب. .
ولما كانت الفتاة تختلف كل يوم إلى هذا المكان تقضي فيه ساعة أو ساعتين في غزل الصوف كان الشاعر يأتي لينظر إليها متأملا ملامح وجهها الفتانة في خشوع وإجلال، فإذا انصرفت أخذ ينشد هذه المحاسن في صوت جميل أيضاً، لأن أوتار صوته صارت ذات رنين كرنين الذهب من جراء الحب، حتى أن بلابل الوادي كانت تسكت إذا مر بها الشاعر لتصغي إلى قلب الشاعر وهو يبوح بأول حب له. .
ونقل الآلهة صوت الشاعر بواسطة الراديو وأخذوا يستمعون إليه وأخذوا يستمعون إليه في سرور عظيم. .
ثم انقطعت الفتاة عن المجيء إلى الربوة، فانقطع الشاعر عن الإنشاد. .