كان الوقت ليلاً،؟؟؟؟؟؟؟؟؟ فلاحت له من بعيد أسوار مدينة مخططة على شكل دائرة، فوجد خطاه نحوها. ولما دنا منها سمع في داخلها خفق أرجل طروبة، وقهقهة أفواه جذلة وأنغام وقيثارات كثيرة صادحة؛ فقرع الباب ففتح له البوابون فرأى أمامه قصراً من المرمر، أعمدته الرخامية الرائعة الجمال متوجة بأكاليل الأزهار، وفي داخله وخارجه مشاعل مضاءة من الأرز. فدخله وبعد أن أجتاز ردهات من العقيق الأبيض الخلكيدوني وأواوين من اليشم وبلغ قاعة الوليمة المستطيلة رأى على متكأ من الأرجوان شاباً مكلل الشعر بالورود، قرمزي الشفتين من أثار الخمر. فدنا منه ولمس كتفه قائلاً:(لماذا تعيش هذه المعيشة؟) فالتفت الشاب ورآه فعرفه وقال: (قد كنت أبرص فأتيت أنت وشفيتني. فكيف أعيش غير هذه العيشة؟).
ترك القصر وخرج إلى الجادة ورأى بعد هنيهة امرأة موشاة الثياب بالنقوش تنتعل حذاء مرصعاً باللؤلؤ، ورأى شاباً مرتدياً ثوباً ذا لونين يسير في أثرها الهويناء مترقباً كأنه صياد. وكان وجه المرأة شبيهاً بوجوه الدمى الجميلة، وعينا الشاب تشتعلان لذة وتدفقان شهوة، فتأثرهما مسرعاً حتى داناهما. فلمس يدي الشاب وقال له:(لماذا تنظر إلى تلك المرأة هذه النظرات؟). فالتفت الشاب ورآه فعرفه وقال:(قد كنت فيما مضى أعمى فأرجعت إلي بصري. فإلي أي شيء لأنظر إذا لم أنظر إلى ما ترى؟).
فتركه وتبع المرأة حتى أدركها. فمس ثيابها المزركشة وقال لها:(أليس من سبيل غير سبيل الخطيئة؟). فالتفتت المرأة إليه وعرفته فضحكت وقالت:(ولكنك قد غفرت لي ما أسلفت من خطايا من قبل. وهذا السبيل طريق المسرات!)
فخرج من المدينة حتى إذا كان في ظاهرها رأي شاباً ينتحب على قارعة الطريق فاقترب منه، ولمس غدائره المسترسلة وسأله. (لماذا تبكي؟) فرفع الشاب طرفه إليه فعرفه وقال له:
(لقد كنت ميتاً، فجئت أنت فأحييتني، فماذا أصنع غير البكاء؟)