ما هو الغرض من الفن؟ لو قدر للحقيقة أن تصطدم بحواسنا وضميرنا، ولو كان في مكنتنا لأن نتصل اتصالاً مباشراً بالأشياء وبأنفسنا، إذن لكنت أعتقد بأن الفن شيء غير ضروري. أو بعبارة أوضح لكنا نصبح جميعاً فنانين، لأن أوتار نفوسنا ستهتز حتماً بالاتحاد مع الطبيعة؛ ولكانت عيونا تؤازرها ذواكرنا، تتقطع من الفضاء آيات من روائع الفن لنثبتها على صفحة الزمن؛ ولكان نظرنا يلتقط في طريقه أجزاء من التماثيل منحوتة في رخام الجسم البشري الحي لا تقل روعة عن التماثيل الأثرية القديمة؛ ولكنا نسمع نفحات حياتنا الباطنة تتردد في أعماق نفوسنا كأنها ألحان موسيقية، تارة مرحة وأطواراً مشجية، وفي الغالب غريبة غير مألوفة. كل ذلك يوجَد حولنا، كل ذلك يوجد فينا، ومع ذلك فإننا لا نميز بجلاء شيئاً من ذلك كله. إنه يوجد بين الطبيعة وبيننا، أو بالأحرى يوجد بيننا وبين ضميرنا الذاتي وشاح مسدول، وهذا الوشاح يراه العامة من الرجال كثيفاً ولكنه في نظر الفنان والشاعر خفيفاً حتى ليكاد يكون شفافاً عارياً. فأية حورية من الجن قد حاكت خيوطه الناعمة؟ وهل نسجته خبثاً ودهاء أو مودة وتحبباً؟ إن الحياة فرض واجب لابد منه. والحياة تحتم علينا أن نتناول من الأشياء التي تكتنفنا ما نحن في حاجة إليه في علاقاتنا بها.
إن الحياة موقوفة على العمل والمثابرة. والحياة هي ألا يقبل المرء من مؤثرات الأشياء المرئية إلا ما كان نافعاً ملائماً لطبيعته بحيث يتسنى له أن يجيب على اختلاجات هذه الأشياء برجعة متناسبة. وأما ما عداها من المؤثرات فيجب أن تضمحل وتتلاشى أو لا تصل إلينا إلا مضطربة مشوشة. . . إنني أنظر وأعتقد بأنني أرى، وأصغي وأعتقد بأنني أسمع، وأدرس نفسي وأعتقد بأنني أقرأ في أعماق فؤادي. بيد أن ما أراه وما أسمعه في العالم الخارجي ليس إلا ما تستخلصه حواسي لإنارة طريق عملي. إن ما أعرفه من نفسي ليس إلا ما يتجلى للنظر، أي ما يشترك في العمل. وإذن فان حواسي وضميري لا تكشف لي إلا عن ناحية موجزة من نواحي الحقيقة العملية. ففي الرؤيا التي تمثلها لي حواسي وضميري من الأشياء ومن نفسي، تتلاشى الفروق التي لا ينتفع منها الرجل، وتتضاعف