للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الأدب والفن في أسبوع]

للأستاذ عباس خضر

الشوق إلى المتاعب:

ما زلت أذكر مسرحية (حورية من المريخ) التي قدمتها من نحو شهرين فرقة المسرح المصري الحديث، تلك المسرحية التي تقوم فكرتها على أن الإنسان يضيق بما جرى على هذه الأرض وما يحدث له من متاعب في حياته ويود لو خلص منها، فإذا أتيح له الخلاص مما يقلقه ويشقيه، إلى حياة ناعمة صافية لا يجد فيها من يشغب عليه ويعاكسه، ضاق بها وشقي بهذه (السعادة) التي تحرمه ما جبل عليه حب الشغب والميل إلى خلط الصفو بالكدر

شاهدنا في المسرحية الزوج الذي يتبرم بزوجته لما تأتيه من تصرفات حمقاء وما يعانيه من شقاق بينهما الدائم، ثم يرى فيما يرى النائم حوريات من المريخ. . ولا بد أن تعجب من منافسة المريخ للجنة! ولا أحب أن أدعك في هذا العجب فأسر لك السبب قبل أن نمضي في الحديث:

عرضت المسرحية - وكان اسمها (حورية من الجنة) - على الرقيب بوزارة الداخلية ليجيز تمثيلها، فاستأني حتى طالت لحيته. . ولبس عمامة كبيرة. . . ثم أفتى - نجانا الله من فقهه. آمين - بأن الحورية لا يجوز أن تهب من الجنة إلى المسرح لا حرج أن تهبط من المريخ، وإن لم توجد في المريخ حوريات فيجوز أن تنتقل من الجنة أولا إلى المريخ، ثم تسافر منهو إلى مسرح حديقة الأزبكية الصيفي. . فلم يسع الأستاذ زكي طليمات إلا أن يرضخ و (يخرج) الحورية من المريخ كما يستخرج الشراب من الفسيخ. .

رأى ذلك الزوج ثلاث حوريات يرقصن ويغنين، فأحب إحداهن وأحبته، ورضيت أن تعيش معه على سطح الأرض زوجة وفية مخلصة، وجرت الأمور بينهما كما تجري في. . . المريخ! فلا مخالفة ولا شقاق، بل طاعة عمياء وصفو خالص، ولكن يظهر أن في الإنسان غريزة لم يكشفها علماء النفس بعد، هي غريزة المشاغبة التي تدفعه إلى الهرب من الاستقرار والراحة والدعة ليطلب المتاعب و (المناكفات) فاشتاق الرجل إلى زوجته الأولى وإلى مشاغباتها اللذيذة الممتعة، حتى قيض له ما أراد، واستيقظ من النوم ليجد زوجته الأرضية عائدة من السينما. . ذكرت تلك المسرحية الممتعة وحوادثها الشائقة، وأنا

<<  <  ج:
ص:  >  >>