في هذا الصيف الهادئ النائي الذي يكاد يشبه المريخ في الخلو من الحوريات. . . والذي لجأت إليه من نحو شهر هربا من متاعب القاهرة وحرها وزحامها وخلوها من البطيخ (الشلين بلاك) وقد أخذت هذا المصيف الفطري لأكون بعيدا عن زحمة المدن ومثيرات الأعصاب فيها، وآثرت أن أخلد إلى السكون والراحة التامة، ورجوت صديقي الشاعر، وهو يصطاف قريبا مني أن يجنبني سماع ما يقرض.
وتم لي ذلك وشملني السكون وتلقاني البحر، يدعوني إليه أحيانا فيبل ما جف من أعصابي، ثم لا يلبث أن يضجر مني فيقذفني إلى رمال الشاطئ فأرتمي عليها وأشكو إليها ضعفي وجراح نفسي. .
ثم وجدتني أهرع إلى صديقي الشاعر لأسمع منه، وآخذ مع الرفاق في حديث الأدب والفن، بل أجرهم إليه وأحملهم عليه وأنظر حولي فلا أبصر إلا الماء والرمل والسماء، وأشواقا إلى القاهرة والى الاضطراب في أنحائها والاختلاف إلى ما جريت على الاختلاف أليه فيها، بل إلى صخبها وضجيجها وترامها كان البحر يقول لي: هنا الروح والدعة، فتعالي إلي ودع الدنيا وألق مشاغلها على الشاطئ واغسل همومك بين أحضاني ثم صوت أسمع من أمواجه الصاخبة المتحاربة دائما: أن هلم إلى معترك الحياة وعد إلى معامعها، فالسكون موت والحركة حياة وما أزل مصغيا إليه، أستمع ولا أقتنع، انتظارا لعاقبة التي أقتدر بها على تمام الاقتناع.
ابن حمديس
تلقيت من الصديق الكريم الذي لم أتشرف بلقائه بعد، الأستاذ الشاعر عبد القادر رشيد الناصري، رسالة مطولة ناقش فيها رأياً للأستاذ عباس محمود العقاد في (ابن حمديس) الشاعر الصقلي، والرسالة هي كما بلى بعد شيء من الاختصار وحذف التحيات التي يستحق الأخ أحسن منها: أنا لا أنكر أن الأستاذ العقاد ذهن جبار متوقد، بل هو أكثر أدباء الشرق ثقافة، فهو أديب وشاعر وخطيب وسياسي وناقد ومترجم، وإن كان شعره لا يبلغ منزلة نثره، ولكني قرأت له قبل أيام رأيا استغربت أن يصدر من رجل مثله له مكانته في عالم النقد، وهذا الرأي منشور في الصفحة (٩٣) من كتابه (خلاصة اليومة) ولم أكن قد اطلعت قبل الآن، يقول عن ابن حمديس: شاعر صدرت عنه الشهرة بعد أن أقبلت عليه،