ذلك هو العنوان الأول من العناوين الثلاثة التي اقترحنا في العدد الماضي من الرسالة أن يتألف منها الدستور الإصلاحي لوزارة الشؤون الاجتماعية، وهي الجهل والفقر والمرض.
والجهل كما يظهر لأدنى نظر هو علة العلل في اضطراب الأسرة، وانحطاط البيئة، وفساد المجتمع، وأفن الرأي العام. فإذا وقفت هذه الوزارة بالفعل إلى أن تمحو الأمية وتنسخ الجهالة فقد تيسر لها أن تقول فتفهم، وتكتب فتقرأ، وتشير فتتبع؛ وإذن يخفف عنها عبء الإصلاح باعتماد كل امرئ على نفسه في تدبير عيشه من طريق الكفاية فلا يكون فقر، وفي علاج بدنه من طريق الوقاية فلا يكون مرض، وفي تهذيب خلقه من طريق الدراية فلا يكون شر. ذلك إلى أن الشعب متى أدرك القدر المشترك من المعرفة قوى عقله فيعمل عمله بروية، ونضج رأيه فينتخب نائبه بحرية؛ وبروية العزيمة تثمر فروع الإنتاج، وبحرية الرأي تثبت أصول الديمقراطية
ولكن كيف نكلف وزارة الشؤون الاجتماعية أن تساهم في نشر المعرفة وهناك على مدى قريب منها وزارة المعارف بميزانيتها الضخمة وجامعتها الفخمة ومدارسها المختلفة الدرجات والغايات، ورجالها المتعددي الألقاب والشهادات؟ فهل يسوغ في العقل أن تترك هذه الوزارة الغنية الفنية في مصر بعد قرن ونيف من لا يعرف حروف الهجاء، ولا يدري أفي الأموات هو أم في الأحياء؟
الواقع الذي يحار في تعليله الذهن الفلسفي أن التعليم الحكومي والأهلي، والديني والمدني، والوطني والأجنبي، لم يستطع أن ينفي الأمية في مصر - وهي ملتقى بحرين ومجتمع ثلاث قارات - إلا عن ٢٥ ? من الذكور و٨ ? من الإناث. ونفي الأمية لا يثبت العلم؛ ولكني أسلم بأن هؤلاء تميزوا عن نظرائهم أولئك بإدراك الحياة الإنسانية على نحو معقول. فإلى من نكيل تعليم البقية وهي سواد الأمة وعماد الدولة وعدة الإنتاج؟ إن تثقيف وزارة المعارف لا يشمل كل الصغار لأن قانون التعليم الإجباري لم يشرع، ولا يقبل كل الكبار لأن قانون التربية لا يجيز؛ فلا يبقى إذن للذين افلتوا من القيد أو شبوا عن الطوق إلا