. . . وظل الشابان في تردد وحيرة، والفتاة في الدار لا تجد الخيرة من أمرها، وهي قد وافقت منذ حين على أن تتزوج من جلال. . .
وأصر جلال على رأيه في تشبث وعناد، لأنه خطب الفتاة إلى أبيها فوجد منه الرضا والقبول، ووجد من أمها العطف والحنان، وألفى في أهلها الصاحب والرفيق. وأهله يتأهبون - منذ حين - ليوم الزفاف وهو قريب. على حين قد أخذ هو يستعد لما بعد هذا اليوم - لشهر العسل - في سرور واستبشار.
ماذا يضير الفتى بعد، وإنه ليدخل إلى دار الفتاة فيجد من يستقبله في حفاوة وإيثار، ومن يتحدث إليه في رقة وحنان، ومن يبذل له العطف والمحبة، ومن يحرص على راحته وهدوئه، وأخيراً يجد من يودعه في حرارة وشغف.
وأحس فكري أن في شباب جلال وقوته ما يبعث في الدار الحياة والحركة، وما يرسل في قلبه الهدوء والطمأنينة، واستشعرت الأم في الفتى النور والبشرى. لقد أنبثق هذا الشعور في قلبيهما قوياً عميقاُ، لأنهما عاشا عمراً يلتمسان الابن (الذكر) فلا يجدانه، والرجل ذو ثراء وذو حاجات، يقعده عن أن يشرف على كثير منها ما يحس من وهن وضعف من أثر الشيخوخة التي تدب في مفاصله رويداً رويداً. وهذا أخوه الفلاح يسيطر على رغباته ويغتال ماله في عنف، وهو يقوم على حاجات العزبة، ويدير أمورها، ويستبد بشئونها، ثم لا يرسل إلى سعادة البك إلا فضلة ما يبقي من غلات أرضه، والبك لا يستطيع أن ينزع الأطيان من بين يدي أخيه فتضطرب شئونها ويختل أمرها وماله عهد بإرادتها، ولا أن ينال حقه بقوة القانون فتلوكه الألسن، ويتندر به الفلاحون في مجالسهم.
والآن جاء جلال - بعد لأي - ليكون ابناً في الدار لتنبض بالحياة والنشاط، وسيداً في العزبة ليزيح عنها هذا الكابوس الجاثم على خيراتها ومغانمها.
كل أولئك غشى على عيني الفتى فلم يلق باله إلى هذا الشحوب البادي على وجه الفتاة فيعصف بنضارتها ورونقها، ولا إلى هذا الفتور الذي يستلبها من إرادتها حين تلقاه. ولم يزعجه هذا النفور الذي يلمسه دائماً، فهي لا تأنس إليه إلا ريثما تنفلت من لدنه. ولم