تحقيق مثلها العليا في الخير، أو يفتت من عزم الإنسانية الوطيد على الفوز بحقيقة وحدة الوجود عن طريق التمسك بالقانون الخلفي الذي هو إحدى آيات الله التي تكمن في شتى الموجودات. وأن ما بلغه الإنسان من تمدن ليشهد على أن الشر ليس له من القوة الإيجابية ما للخير، ولا يقدر أن ينضب ينابيع الخير التي خاض بها الله على الحياة الإنسانية، بل إن ما في الوجود من شر يلاحظ أنه يتلاشى تدريجيا مع تقدم الحياة المستمر، بينما ما يتحقق من خير تبقى أصوله ثابتة في أعماق الحياة، ويبدو أثرها في مختلف نواحي النشاط الإنساني. فالحياة تتحرك دائماً نحو الخير متخذة منه وسيلة لتثبيت أركان الوحدة الإنسانية، التي عن طريقها تسير البشرية خطوات نحو وحدة الوجود.
أما ذلك الشر الذي ينتشر في الكون، ويقاسي منه البشر كافة أصناف الآلام، ليس دليلا على أن الحياة في أصلها تجلب الشر، وإنما هو علامة على أن الحياة الإنسانية لم تبلغ بعد كمالها الأقصى الذي يجب أن تبلغه، وأنه مازال أمامها مراحل شاقة من التضحية والإيثار عليها أن تبذلها، حتى تصير حقيقة وحدة الوجود حية في القلوب، فينعم الجميع بالراحة والسعادة والأمن وينجون من ظلام الشر الذي يثير القلق، والخوف والحزن في النفوس.