للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الأدب والفنّ في أسبوع

للأستاذ عباس خضر

هل نقتل الفصاحة فينا؟

أتيت في الأسبوع الماضي بفقرات من محاضرة الدكتور محمد كامل حسين التي ألقاها في حفلة استقباله بمجمع فؤاد الأول للغة العربية، وفيها وصفه للإنتاج الفكري الحديث في مصر بالهرولة، وهو يعني أن أصحاب هذا الإنتاج لا يتأنون ولا يتمهلون للتمحيص والإجادة، فهم مسرعون كأنهم مسوقون

ومن تلك الفقرات قوله: (وعلينا أن نقتل الفصاحة فينا فهي شكل محض، وأن نتجاهل البلاغة فقد أصابنا منها شر كبير)

نريد أولا أن نعرف الفصاحة لنرى هل تستحق القتل، وننظر في أمر البلاغة كذلك ولماذا نتجاهلها

الفصاحة هي أن يخلو الكلام من عيوب ليكون واضحا بيننا عذبا، ومن هذه العيوب أن تكون الكلمة ثقيلة على اللسان أو مكروهة في السمع أو غريبة وحشية غير مألوفة الاستعمال، ومنها أن يقع في الكلام تعقيد، أو تتنافر ألفاظ التركيب، وقد مثلوا لذلك بأمثلة كثيرة، منها كلمة (الجرشي) في قول المتنبي:

مبارك الاسم أغر اللقب ... كريم الجرشي شريف النسب

لأنها ممجوجة لا يستريح إليها السمع، ومنها الشطر الثاني من البيت الآتي:

وقبر حرب بمكان قفر ... وليس قرب حرب قبر

لثقل تركيبه على اللسان، ومنها قول الفرزدق:

وما مثله في الناس إلا مملكا ... أبو أمه حتى أبوه يقاربه

لتعقيده الناشئ من خلل النظم

أما البلاغة في الكلام فقد عرفوها بأنها مطابقته لمقتضى الحال مع فصاحته

فماذا جنت الفصاحة ليطالب الدكتور كامل حسين بإعدامها. . .؟ هل يريد أن نفقدها لنكتب كلاما متنافرا غريبا معقدا فنقول مثلا (كريم الجرشي) بدلا من (كريم النفس)؟ وهل يريد أن نتجاهل البلاغة لنؤلف كلاما لا يلائم الأحوال؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>