لقد لعب قانونا الترف والخشونة أعظم دور في هذه الحرب. فمن عرف فتك الترف بالشعوب، وتقويم الخشونة للأخلاق، وساعدته ظروفه على التخلص من الترف، والأخذ بالخشونة، كان له النصر على من لم يوفق لذلك.
هذه ألمانيا ألقت سلاحها في سنة ١٩١٩، فشرطت عليها شروط، وفرضت عليها مغارم، ظنت في هذه وتلك أنها مجحفة بها، فأرادت أن تدفع هذا الإجحاف، فلم يكن ما يسعفها إلا قانون الخشونة فلجأت إليه وفرضته على الناس فرضاً.
كان كل كسبها موجهاً إلى تعزيز قوتها، لا إلى رفاهية أبنائها، حتى شاعت فيهم هذه الكلمة: المدفع قبل الزبدة، وكان المرء فيهم يعمل ولا يمل العمل. وكان عليه أن يكسب ما يسد منه بعض الغرامة، وما يعول أسرته، وما يكون منه شراء السلاح وإنماء قوة ألمانيا.
ما كان يستطيع أن يأتي بهذه المعجزات إلا قانون التقشف، فبه وفرت المال الذي أوجد هذه الأسلحة التي لا تنفد، ولو سلط على هذا المال الترف لابتلعه. وبه استطاعت أن تصبر في ميادين الحرب المختلفة حتى كان الجندي يمكث أياماً محاربا لا يذوق فيها النوم ولا الراحة.
وهذه فرنسا لم توفق إلى ما وفقت إليه ألمانيا في الاستعداد لهذه الحرب والأخذ بالخشونة فسلمت في أول مراحلها.
وهذه إنجلترا وإن كانت قد تمتعت بثمر انتصارها في الحرب الماضية، وتباطأت لذلك في الاستعداد عن ألمانيا، ولكنها قد بدأت، ودعت أخلاقها الموروثة التي ولدتها فيها الروح الرياضية المبنية على التقشف، فاستجابت إليها، فلما وقع حمل الحرب على كاهل بريطانيا وحدها لم تنوء به، ووجدت فيها ألمانيا خصماً يساجلها ثباتاً بثبات، ومقاومة بمقاومة.
ولم أسرد ما تقدم للمتعة، ولذة القصص، فما بي لذلك، وإنما بي أن أضع يد قومي على موضع العظة، وأدلهم على موضع العبرة، وأبين لهم الترف، وهدمه للأمم، والخشونة وبناءها للشعوب، فلعلهم تجديهم الموعظة، ويكون منهم الاعتبار.