أو بعبارة حديثة، سألوه أن يفتتح هذا النادي السياسي المستور الغرض ليكون ذلك أستر لغرضهم وأدهى إلى تقوية مركزهم، وأكثر جاذبية للمسلمين، فنزل قوله تعالى فضيحةً لهم، وبياناً لغايتهم الخفية، إنهم اتخذوا هذا المسجد (ضِراراً وكفرا وتفريقاً بين المؤمنين، وأرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل، وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى، والله يشهد إنهم لكاذبون. لا تقم فيه أبداً. لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه). وهذا هو مسجد قباء؛ فأمر النبي أن يهدم المسجد الجديد وأن يتخذ مكانه كُناسة تلقى فيها القمامة. ومات أبو عامر الراهب بالشام، وفسدت الخطة التي دبرها بنو غنم بن عوف (إن الله لا يصلح عمل المفسدين).
وكانت غزوة تبوك حداً فاصلاً بين سياسة المسالمة وسياسة العداوة الصريحة من المسلمين للمنافقين بعد أن هيأ الله لهم الفرصة زمناً طويلاً ليتوبوا، فمنهم من تاب فعفا الله عنه، ومنهم من أصر على كفره، وغضب الله عليه ولعنه، وأعد له جهنم وساءت مصيرا وانتهى عملهم بعد ذلك، واستراح النبي من شرهم وضرهم.
ومن كل ما كتبناه في الموضوع يتبين أن الطابور الخامس في القرآن هم اليهود والمنافقون، وكانت سياستهم ترمي إلى التشكيك في الدين، والطعن في النبي وآله ومحاولة صرف الناس عنه بتجريحه، والأمل في القضاء على دعوته سراً وجهراً بمعاهدته حتى يأمن لهم، ثم نقض هذه العهود وقت الشدة، فكان جزاؤهم ما حل بهم من قتل وتشريد، وما أنزل الله فيهم من طعن وإهانة، وما أعده لهم من عذاب أليم، ثم نصر الله رسوله والذين آمنوا في الحياة الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد، وكان حقاً عليه نصر المؤمنين.