للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يفقهون).

وكان لابد بعد هذا الإمهال وفتح باب التوبة زمناً طويلاً من أن يكشف الله أمرهم ويهتك سترهم، وأن يعاملهم المؤمنون بما يستحقون؛ فنهى الله النبي عن قبولهم في جيشه مرة ثانية. ونهاه عن الصلاة على من يموت منهم والدعاء له فقال: (فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فأستاذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبداً، ولن تقاتلوا معي عدوَّاً؛ إنكم رضيتم بالقعود أول مرة، فاقعدوا مع الخالفين. ولا تُصل على أحدٍ مات منهم أبداً ولا تُقم على قبره؛ إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون).

ولم يكن النفاق مقصوراً على المدينة وحدها، بل كان من الأعراب منافقون هم أشجع وأسلم وجهينة وغفار، وهم بحكم بيئتهم وغلظة قلوبهم وبعدهم عن متنزل الوحي (أشد كفراً ونفاقاً وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله). وكان منهم من يتخذ ما ينفق في سبيل الله مغرما، ويتربص بالمؤمنين الدوائر، عليهم دائرة السوء. لم يخرجوا إلى تبوك وجاءوا إلى المدينة ليؤذن لهم، وقعد الذين كذبوا على الله ورسوله، ولكن منهم من اتخذ (ما يُنفق قربات عند الله وصلوات الرسول، ألا إنها قربةٌ لهم سيدخلهم الله في رحمته)

وما ظن القارئ الكريم بالنادي السياسي الذي بناه بنو غنم ابن عوف لخدمة الدين ظاهراً، ومأوى الخارجين على الرسول، والمدبرين للفتن، والمعادين للمسلمين باطناً، ليضروهم ويفرقوا بينهم، وليأوي إليه من حارب الله ورسوله؟ بئس هذا البناء وبئس بانوه، إنهم ساء ما كانوا يعملون.

أما هذا البناء فهو مسجد الضرار، والذين بنوه هم بنو غنم ابن عوف. يروى أن بني عامر بن عوف لما بنوا مسجد قباء، وهو مسجدٌ أسس على التقوى من أول يوم - بعثوا إلى رسول الله أن يأتيهم فأتاهم فصلى فيه، فحسدهم إخوانهم بنو غنم ابن عوف وقالوا نبني مسجداً ونرسل إلى رسول الله يصلي فيه، ويصلي فيه أبو عامر الراهب إذا قدم من الشام - وهو الذي قال لرسول الله عليه السلام يوم أحد: (لا أجد قوماً يقاتلونك إلا قاتلت معهم) فلم يزل يقاتله إلى يوم حنين - فبنوا مسجداً إلى جانب مسجد قباء. وقالوا للنبي: بنينا مسجداً لذي العلة والحاجة، ونحن نحب أن تصلي لنا فيه. فقال: (إني على جناح سفر، وإذا قدمنا من تبوك إن شاء الله صلينا فيه). فلما قدم من غزوة تبوك سألوه الصلاة في المسجد،

<<  <  ج:
ص:  >  >>