يأسف لامرتين إذ يرى اليأس مخيماً على وجه رينيه، والأسى يغمر نفسها التوَّاقة إلى إرواء هذا الظمأ الطبيعي في الناس من ينابيع الحبّ والمعرفة. ثم يقول لها: هل وجدت يا رينيه بين كل ما ذكرت لك من الكتب ما يوافق الطبقات العاملة مثلك؟
فتجيبه: صفحات قليلة يا سيدي، لأن كل ما في لغتنا كُتب لكم، لذلك يجب أن يخلق الله من يكتب لنا
فيقول: لقد حان الوقت الذي يجب أن يُكتب فيه لكم يا رينيه، لأن ارتقاء عقليَّة الشعب وشدَّة ميله إلى المطالعة سيحملان الكثيرين من الأدباء عَلَى تخصيص الوقت الذي يصرفونه في أماكن اللهو لوضع الكتب الشعبية. وفضلاً عن ذلك فالارتياح العام إلى اشتداد حركة الصناعة والعمل في البلاد سيدفع الحكومة إلى التوسُّع في نشر الإصلاح ودعوة كل من أفراد الأمة إلى القيام بقسطه من خدمتها. وهذا يضاعف عمل الفكر في كل الطبقات الاجتماعية؛ وبما أن الكتب هي أدوات هذا العمل فسيوضع منها للعمَّال ما يوافق أيديهم
وقد ازداد عدد الكتَّاب على ما كان عليه في الماضي زيادة كبرى، لأن قسماً كبيراً من النفوس الهاجعة استيقظ بعد الثورة واندفع إلى ساحة العمل والإنتاج، ولأن خريجي المدارس العالية تحوَّلوا عن خدمة الإمبراطورية والدين إلى التوظُّف في دوائر الحكومة والاشتغال بالأدب، فكثر عدد الكتَّاب وأصبح ما ينشر في السياسة والشعر والأدب والاجتماع يومياً كافياً لوضع المجلدات الضخمة، وتزاحمُ هذا العدد الكبير من الأدباء على أبواب الشهرة يحول دون معرفة العباقرة الحقيقيين
لم يعمل رأس الإنسان وقلبه فيما غبر من عصور الإنسانية ما يعملانه في هذا العصر، فهما كناية عن معلمين للأدب دائمي الحركة، وهذا العمل المتواصل يبحث عن وجهة ينصرف إليها فلا يجد، لذلك نراه قلقاً مضطرباً. غير أن الطبيعة التي أوجدت التبادل بين