للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الأعمال والحاجات ستوجد لهذا العمل حاجته، وهذه الحاجة هي وضع الكتب للجمهور

ثقي يا رينيه أن عهد الأدب الشعبي قد دنا، وأعني بالأدب الشعبي الأدب السليم المكتمل، لأني أفهم من كلمة شعب ما يفهمه الله والفلسفة، أي القسم الأكبر والأهم من البشرية لا يفهمه المتطرفون؛ وإذا لم يطرأ على الأنظمة الحديثة في هذه السنوات العشر ما يعرقل سيرها، أو يحولها إلى طغيان مؤقت، فسيكون للشعب مكتبته وعلومه وفلسفته وروايته وشعره وأدبه وتاريخه وفنه

فتسأله رينيه دَهِشة: ومن يضع لنا كل ذلك؟

فيجيبها: الكبار بين العلماء والشعراء، فكما أن تربية الأمراء والتحدث إلى الملوك والتقرب من رجال البلاط كانت إلى الأمس القريب تعدُّ شرفاً كبيراً فإن تثقيف الصغار والتحدُّث إلى الوضعاء وخدمة الطبقات العاملة ستعد في الغد القريب لا شرفاً كبيراً فحسب، بل فضيلة عظمى، وهكذا يتحول مجد الكتَّاب من القصور إلى الأكواخ ومن العواصم إلى القرى. وبما أن العبقرية تتجه بطبيعتها نحو المجد، فالمجد سيكون ترديد اسم الكاتب في أفواه الملايين من النساء والرجال صغاراً وكباراً. لماذا يؤلف الأديب ويكتب وينظم؟ ليُقرأ ويُدرك ويُشارك في شعوره وتأثره، ويُحب ويُكرم ويُطرى، أفليس الأفضل للشاعر أن تنقش منظوماته على صفحات قلوب أربعين مليوناً من أن تُصف على رفوف ستة آلاف مكتبة؟ أو لا يفضل الكاتب أن ينتسب إلى هذه الأسرة الكبرى المؤلفة من أربعين مليوناً، يعيش في أفكارها وتذكاراتها ويقاسمها عواطفها وميولها، من أن يكون عضواً في مجمع علمي لا يجاوز عدد أعضائه الأربعين؟ فما هو رأيك يا رينيه؟ ماذا تؤثرين: أن تتردد منظوماتك في أفواه الملايين من الصغار، ينشدونها في نهاية كل صلاة أو في أحضان أمهاتهم، أو أن تطبع وتجلّد بدقّة وجمال، وتوضع في مكتبة بعض هواة الشعر؟

فتجيبه: آه يا سيدي! أوثر أن تردد في أفواه الصغار والوضعاء لأنها تكون طبعة شعبية تختلج بالحياة، فالمجد الذي لا يدعمه الود هو حبة لا تنبت، ونور لا يدفئ

وأراد لامرتين أن يذهب إلى أبعد من ذلك في معرفة حقيقة ذوق الشعب وميله الأدبي بواسطة هذه الفتاة التي نشأت بين

الخدم وتعيش مع العمال فاستأنف قائلاً: أنت يا رينيه تعرفين أصناف الكتب التي توافق

<<  <  ج:
ص:  >  >>