أهل طبقتك وتنطبق على عاداتهم وميولهم، فما هو الكتاب الذي يجب أن يؤلف أولاً للذين لم يقرءوا أو أنهم قرءوا قليلاً؟
فتجيبه: لا رأي لي في ذلك إذ لا يتذوق الأدب إلا من كان ثقيفاً
- ولكن لا بأس أن تجاوبي عن نفسك، أي نوع من الأدب كان بإمكانه أن يستهويك ويؤثر في نفسك قبل أن تتيسر لك المطالعة؟ أهو الفلسفة الدينية والوجدانية التي تصلح لأن تكون دستوراً لأفكار البشر وإنجيلا يعبر بأمثال قصيرة سامية وجلية كأشعة الشمس، عن مبادئ العلوم الإنسانية الكبرى وفضائلها المكملة بالذكاء والمعرفة على ممر العصور؟
- هذا لا بأس به، غير أن برودة الأمثال لا توافق حرارة قلوبنا، فهي كناية عن أفكار تشع فيما نقرأه، ولكنها فوق مستوانا العقلي
هل يرضيك تاريخ عام جليّ العبارة، رائق الأسلوب، ذو فروع عديدة كأغصان هذه الشجرة التي تسمعنا، تخرج فيها الأصول من الأرض، والجذع من الأصول، والأوراق من الأغصان بحيث تستطيعين أن ترافقي بنظرك نشوء كل هذه الأسرة البشرية الكبرى من أقدم الأزمنة إلى اليوم بما رافقها من ارتقاء وانحطاط، ومن سلالات ظهرت ثم انقرضت مع أفكارها وأديانها وأنظمتها وفنونها وأعمالها؟
- هذا لا يرضي إلا الشبان المتعلمين والشيوخ الميالين إلى أشياء الماضي، أما سواهم من النساء العذارى والأولاد فلا يميلون إلى مثل هذا الموضوع لارتفاعه عنهم، فهو يمر أمامنا كالسيل العظيم يبهر عيوننا ويغرق أرواحنا، لذلك نفضّل عليه وشلة من ينبوع قريب. إن العظيم عظيم، ولكنه غامض كالسماء لا يرى سوى النجوم
- ما قولك في كتاب يفسر كل العلوم والفنون بطريقة سهلة تقفك على كل ما اكتشفه الإنسان واخترعه وتصوره وحسَّنه في كل أنواع الحرف والصناعات وغير ذلك مما يريك الحقيقة ويهدم كل ما قام حول العجائب الطبيعية والاصطناعية المنسوبة إلى الراقيات من الأفكار الكاذبة؟
- لا نزال في مكاننا يا سيدي، فهذا الموضوع لا يهم إلا المثقفين وما أقلهم بيننا وأقصر وقتهم لمطالعته، وعدا ذلك فماذا يبقى في النفس بعد مطالعته كل ذلك؟ غيمه من الألفاظ والخطوط والأشياء والحوادث والأدوات وغيرها مم يبلبل أرواحنا! يكفينا ما نعرفه من