(ظهور المدرسة، الطريقة النفسية والمنطقية، التقاليد)
للأستاذ كمال السيد درويش
إذا كانت رسالة المربي في الحياة كما نراها هي المحافظة على سلامة الاتجاه الطبيعي نحو التعليم، فإن ذلك الكلام يحتاج إلى المزيد من التوضيح. والواقع أن هذه الرسالة على بساطتها الظاهرة تستدعي مسئوليات جمة، وتتطلب مجهودات كبيرة، ولكنها إلى جانب ذلك جديرة بأن تحتل أسمى مكان وبأن تصبح المثل الأعلى للجميع.
إن بساطة تلك الرسالة وسهولة إدراكها تدعو إلى التساؤل عما إذا كان الإنسان قد سار عليها من قبل أم لا؟ وإذا كان لم يعمل بها فما هي الأسباب التي حالت بينه وبين ذلك؟ وإذا أردنا العمل بها فما هي الأسس العلمية التي يستدعيها التطبيق؟
إن الإجابة عن هذه الأسئلة جميعها تتطلب منا أن نسير مع عملية منذ بدأت لنرى كيف سارت خلال العصور الماضية وحتى وصلت إلى تلك الحالة التي وصلنا إليها اليوم، والتي لا يحسن السكوت عليها بأي حال.
بدأ الإنسان يتعلم - كما ذكرنا - منذ أن ظهر على سطح الأرض مدفوعا إلى ذلك بغرائزه المتعددة. فالإنسان - مثلا - حينما كان يقطن الغابة - كان إذا ما شعر بالجوع اندفع يبحث عن طعامه داخل الغابة، حتى إذا ما رآه في أعلى شجرة ممثلا في ثمارها اضطر إلى التفكير في كيفية الحصول عليه، وفي تسلق الشجرة مثلا. وقد يفشل أو ينجح، فإذا ما نجح تناول الثمرة ووجد فيها الغذاء الشهي أخذ يتعمد تسلق الشجار جرياً وراء الثمار وإشباعاً لغريزة البحث عن الطعام.
كانت حياة الإنسان الأول في الغابة إذن هي المدرسة التي يتعلم فيها. تعلم فيها كيف يتسلق الأشجار وكيف يقي نفسه شر الحيوانات الكاسرة، كان يتعلم فيها الطريقة العملية، طريقة التفاعل مع البيئة التي يعيش فيها.
وقد ظلت طريقة التعلم بالتفاعل مع البيئة قائمة حتى توالت الأجيال وتغيرت الأحوال وأصبحت لا تفي بالغرض المنشود حين بدأ الإنسان يلمس فشلها فبدأ يتخلى عنها إلى غيرها، إلى طريقة أخرى تلائم الوضع الجديد: ذلك أن المعلومات أخذت تزداد وتنمو