للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بمضي السنين. واصبح عمر الأبناء عليلا لا يتسع لممارسة خبرة الآباء والأجداد بطريقتهم العملية. ووجد الآباء أنفسهم مضطرين إلى تزويد أبنائهم بخيرات ومعلومات هي خلاصة مئات السنين والآلف على أن يتم ذلك خلال سنوات الطفولة. عند ذلك أحسوا بالمشكلة، مشكلة إعداد الأبناء الناشئين حتى يستطيعوا الانسجام مع هذا المجتمع الذي سيعيشون فيه، لأنها - وهم لا يعلمون شيء عن أسلوب حياته أو طرق المعيشة فيه - طرق وأساليب قد تبلورت خلال مئات الآلف من السنين، فهل نكفي سنوات الطفولة بل سنوات العمر كله لهضم وتمثيل ما لم يهضم إلا خلال القرون والأجيال؟!

ظهرت المشكلة واعترضت الإنسان فأيقن منذ ذلك أن إعداد الطفل الناشئ أمر خطير. وازدادت المشكلة تعقيداً بنمو الإنسانية على مدى العصور حتى أصبحت في القرن العشرين تحمل في طياتها أعباء ما انقضى من القرون.

وبدلا من أن يحاول الإنسان حلها حين اصطدم بها نفض يديه منها وأحالها على غيره. أو لعله وجد حل للمشكلة في أن يتركها ويتخلص منها بإحالتها على من يتخصص للنظر فيها، على هؤلاء الذين عرفوا بين الناس من ذلك الحين بالمربين. وجاء المربي فوجد أمامه ثروة ضخمة هائلة من المعلومات المتراكمة، ووقتا ضئيلا لا يكاد يصلح لممارسة شيء من تلك المعلومات في عقول الناشئين وهل هناك طريقة أسرع وأضمن من طريقة الكلام؟ طريقة التلقين؟ عند ذلك استخدمها وفرج بها وتكالب مع غيره من المربين على اتباعها.

وهكذا انتقلت التربية من وسيلة العمل والتفاعل مع البيئة إلى وسيلة الكلام والاستماع، ومن ميدان الغابة أو ميدان الحياة إلى ميدان المدرسة بجدرانها الأربعة المحدودة. ولقد كان ظهور المدرسة أمرا حتميا للتخلص في عملية التربية، إذ استطاعت منذ ظهورها فرض سيطرتها على التربية والتعليم حتى اليوم. فهل نجحت المدرسة؟ هل أدت رسالتها أو حققت الغرض منها؟

يدرك معظمنا شبح المدرسة؟ ويلمس آثاره. يرهبها الصغير ويهرب منها الكبير ويتحمل مرارتها الصبور والمضطر، ويكفي أن نذكر أن فقدان الميل الطبيعي نحو التعلم هو من بين ضحايا شبح المدرسة الجاثم فوق صدور الناشئين حتى نعلم إلى أي حد نجحت المدرسة أو فشلت في تحقيق رسالتها.

<<  <  ج:
ص:  >  >>