قامت المدرسة ولا تزال تقوم حتى الآن بالدور الرئيسي في عملية التربية، ولذلك تقع عليها معظم المسئولية ابتعاد التربية عن هدفها ورسالتها كما يجب أن تكون. ولكي نتبين ذلك بوضوح سنقارن بين الطريقة النفسية في التربية والطريقة المنطقية.
ذكرنا أن الإنسان تعلم ما تعلم في ميدان الحياة. شعر بالجوع فقام يبحث عن غذائه. سار في الغابة فشاهد حيوانا. أراد صيد الحيوان لطعامه فبدأ يهاجمه فرد عليه الحيوان بالمثل وعاد إلى كوخه جريحا جائعا. نظر إلى جرحه فأيقن فشل طريقته الأولى وبدأ يفكر في طريقة جديدة تجنبه الأخطار. وبدأ يجرب، أمسك فرعا من فروع الأشجار ليستعد به في الدفاع عن نفسه أثناء الصيد هذه المرة. وكسر الفرع ففكر في اتخاذ آلاته من مادة أصلب كالأحجار والصخور ساعدته في التغلب على عدوه والعودة بصيده في سعادة وهناء. ولقد عاد بالصيد ولكن. . . بعد أن تعلم الشيء الكثير. لقد تعلم الشيء الكثير. لقد تعلم عدم المخاطرة بنفسه ضد الحيوان الكاسر، وضرورة الاقتراب منه بحذر وهدوء، وعدم صلاحية فروع الأشجار، والاطمئنان إلى صلابة الأحجار ولا سيما أحجار الصوان بعد صقلها وتهذيبها.
هكذا كان يتعلم الإنسان الأول نتيجة لدوافع غريزية وبطريقة عملية حصل خلالها على تلك المعلومات التي اندمجت في خبرته الحسية لعل بعضها ذلك الجرح الذي لم يندمل أو ذلك الصيد الذي لم ينته من التهامه بعد.
هذه الطريقة التي تعلم بها الإنسان الأول تتمشى مع الغرائز الإنسانية هي الطريقة الطبيعية التي اصطلح العلماء على تسميتها بالطريقة النفسية.
الطريقة النفسية إذن طريقة بسيطة عادية تتمشى مع ميول الإنسان الغريزية. ولذلك كان سلوكه نحو التعلم فيها تلقائيا أو فلنقل سلوكا غريزيا، له للسلوك الغريزي من كل مظاهر التلقائية والتغير والرغبة في تحقيق الهدف المنشود. وتتضح هذه المظاهر فعلا في المثال السابق. فالإنسان الأول حين قام ليصطاد من الغابة قام من تلقاء نفسه ولم يأمره بذلك أحد، ولم يكن سلوكه أثناء الصيد جامدا ثابتا بل كان متغيرا متحولا. لقد استعمل يديه أولا فجرح، واستعمل فرع الشجرة فقصف، فلجأ إلى الأحجار يصقلها ويشحذها حتى نجح. وكان ذلك التغير في سلوكه مرتبطا بتحقيق هدفه المقصود ألا وهو الصيد المنشود. وكان