إن لانقلاب الذي قام به المندوب السامي الفرنسي المسيو جبريل بيو عند تعيينه مندوباً سامياً لفرنسا في أوائل سنة ١٩٣٩ كان يرمي إلى إيقاف العمل بالمعاهدتين اللتين عقدتهما بلاده والعودة إلى النظام السابق.
وترتب على هذا الحال إبطال الدستور في سوريا ولبنان والعودة إلى تأكيد الاستقلال الذاتي أو الإداري الذي كان يتمتع به كل من جبل الدروز وإقليم العلويين.
وبتت فرنسا الأسباب المبررة لاتّخاذ هذه الخطوة على تطرق الفساد إلى الأنظمة البرلمانية القائمة وتدهور الحكم الوطني في كل من البلدين وما سببه من انتشار الرشوة والتغاضي عن تنفيذ العدالة، والإسراف في إنفاق الأموال العامة وإضاعتها على الأقارب والمحاسيب، ثم فيما أصاب الأقليات من ظلم واضطهاد جعل رجالها يستصرخون بممثلي فرنسا ويطلبون إغاثتهم مما هم فيه. وكانت هذه الحملات المغرضة موجهة بالذات إلى سوريا وإن كان أصاب لبنان رذاذُ منها بحكم اشتراكه مع جارته في إمضاء معاهدة تشبه أو تقارب المعاهدة التي أمضتها فرنسا مع سوريا. ولقد قام الحكم الوطني في سوريا على أساس دستوري سليم وخُيل إلى القائمين بالأمر أنه يكفى إمضاء المعاهدة ثم التصديق عليها لكف اليد الفرنسية عن التدخل في أمرهم والسيطرة على الشئون الداخلية التي أصبحت من اختصاص الحكومة السورية وحدها ولا بشأن لفرنسا فيها بعد أن سلّمت السلطات إلى الرجال الذين جاءوا إلى الحكم بمقتضى قواعد الدستور الذي وضعته فرنسا أو وافقت عليه
ولم يتبادر إلى ذهن الوطنيين خطر الرجوع في هذه الاتفاقات بعد إمضائها إذا كانوا على يقين من أن أغلبية الشعب السوري تؤازرهم وإن البلاد تؤيد بإجماع الاستقلال التام وتأكيد الحياة الدستورية.
وكان جيش الدولة المنتدبة يحتل البلاد وتخضع قوات الأمن العام وغيرها من القوات المسلحة لضباط من الفرنسيين، وكان أعظم ما تظهر قوة العسكريين في الأماكن المتطرفة على الحدود أو في المقاطعات التي تتمتع بإدارة ذاتية، وكان ضباط الارتباط الفرنسيون