يمثلون قوة الدولة المنتدبة الحاكمة. ولما أغلبهم تأتي به فرنسا من المناطق الخاصة للحكم العرفي من مستعمراتها في شمال أفريقيا فقد جاءوا ومعهم عقلية وأساليب فرنسا في مستعمراتها، فتمادى بعضهم في الاستهانة بممثلي الحكم الوطني وظن أن من اختصاصه إقامة العدالة - كما يفهمها - وإيقاف تنفيذ الأحكام وإعفاء المحظوظين من دفع الضرائب.
وهكذا برهنت الحوادث على تعذر قيام السلطتين معاً وأن هذه الحالة لابد أن تؤول إلى تغلب السلطة الأجنبية المنتدبة التي يدعمها جيش الاحتلال. فهل تعجلت الحكومة الوطنية في تعيين ممثليها في أماكن بعيدة اعتادت تجاهل وجود كومة دمشق منذ قيام الانتداب؟ وهل أحسنتصنعاً في تسلم السلطات المباشرة في المقاطعات التي كانت تتمتع باستقلالها؟ هذه أسئلة من استقلالها باستقلالها؟ هذه أسئلة من الصعب الإجابة عنها، ولكن الذي ظهر من أثر هذه السياسة أن رجال الحكومة المركزية تعرضوا للإهانات في بعض الجهات خصوصاً بعد حادث اختطاف محافظ الجزيرة الوطني في داخل حدود المقاطعة التي جاء ليحكمها وصعب على الحكومة الوطنية حمايتهم
وهكذا ضج السوريون جميعاً من تدخل سلطات الانتداب ومن سكوتها على هذه الأعمال ومن تشجيع بعض ممثليها واشتراكهم في تدبيرها، وألقيت في البرلمان خطب حماسية شديدة اللهجة ولكن صداها لم يتعد الأماكن التي ألقيت فيها، وكتبت مقالات قوية الحجة ولكن أثرها لم يتعد أعمدة الجرائد التي نشرتها
في وسط هذه الظروف القائمة والهجمات المتتالية وجد رئيس الجمهورية هاشم بك الأتاسي بين قوتين لا قبل له بأن يوفق بينهما. ولما كانت آمال الشعب السوري وحرياته أمانة في عنقه وكان يعتقد أن التساهل مع الفرنسيين ولو مرة واحدة سيؤدي إلى سلسلة لانهاية لها من التفريط في حقوق الوطن، فضَّل الاحتفاظ بكرامة البلاد واستقلالها كاملين وبادر بتقديم استقالته إلى مجلس النواب الممثل للامة السورية. وسجل في هذه الاستقالة احتجاجه على فرنسا التي بعد أن قبلت التعاون مع سوريا عادت إلى أساليبها القديمة ورجعت تطبق تجارب جديدة تناقض الاتفاقات التي وقعها ممثلوها وتعهدوا بتنفيذها. وهكذا جاء عمله هذا دليلا على وطنيته وإخلاصه وشجاعته، ويندر أن نجد الكثير من أمثاله هاشم بك الأتاسي في تاريخ الأمم الشرقية في القرن العشرين.