ثم قامت الحرب العالمية الثانية وجاء الجنرال فيجان وغيره من قواد فرنسا، وسادت البلاد فترة هدوء وتعرضت سوري ولبنان كما تعرض غيرها لما مرَّ ببقية بلدان الشرق الأوسط من متاعب حتى عقدت الهدنة فازدادت هذه المتاعب الاقتصادية والتموينية، ثم اشتبكت قوات الحلفاء مع قوات فيشي وانتهي الأمر بدخول الحلفاء وخروج فرنسا المهزومة ودخولممثل فرنسا الحرة أو المقاتلة.
وقد قضى هاشم الأتاسي هذه المدة بأكملها معتكفاً بمدينة حمص لا يقوم بأي نشاط سياسي ولا يزوره أحد. وأذكر أنني مررتُ مراراً بهذه المدينة ولم أنس أن أترك له بطاقتي في كل مرة، إذا لم يكن في هذا العمل ما يمكن المؤاخذة عليه؛ ولكن موظفي إدارة الأمن من العام الفرنسية ومن بينهم بالذات من أصبح موضع ثقة الحكم الوطني بعد ذلك، لم يتركوا هذه الفرصة تفلت من أيديهم دون أن يبنوا عليها من خيالهم الكثير من الظنون التي ضمنوها تقاريرهم السرية، وهي التي طالما ضّللت السلطات وأفقدتها الكثير من هيبتها في كثير من بلاد الشرق الوسط.
لابد أن القارئ يعرف ما حدث بعد دخول الحلفاء سوريا ولبنان وكيف أعلن استقلال البلاد السورية، وكيف نودي بالشيخ تاج الدين الحسنى رئيساً للجمهورية، ثم اعتراف مصر بهذا الاستقلال، ثم ما أعقب ذلك الاعتراف من اتصالات ومفاوضات كانت ترمى إلى دعم هذا الاستقلال وجعله متمشياً مع الأغراض العالمية الكبرى التي رسمها ميثاق الأطلنطي ونادى بها كل من روزفلت وتشرشل لكسب الحرب. ولو أن الكثير من مذكرات رجال السياسة والحكم قد نشر بمختلف اللغات وأصبح متداولا. بين أيدي الجمهور وفيه إشارات معينة إلى ما تم في هذه الحقبة الدقيقة من الأمم العربية والشرقية، إلا أن موقف مصر الحاسموأثرها الفعال وما قامت به من أعمال وما كان لوجهة نظرها وسياستها من احترام في المحافل الدولية، لا تزال حلقة مجهولة غير معروفة للناس ولا للمصريين خاصة. وليس في نيتي أن أسردها في هذه العجالة، وإنما اكتفى بأن أقول إنني وجدت نفسي مجنداً في هذه الناحية وعرضة لأحاديث ومفاوضات مع أصحاب الشأن من السوريين واللبنانيين ومع ممثلي فرنسا وبريطانيا وأمريكا ثم مع السلطات القائمة حينئذ في سوريا وفى مقدمتهم المغفور له الشيخ تاج الدين الحسنى وغيره من الوزراء وأهل الرأي.