كتب إلى أديب فاضل يقول:(رأيتك أيها الجاحظ في عدد الرسالة السابق تحمل على جريدة المانشستر جارديان فيما زعمته من أن أكبر عائق في سبيل نشر التعليم بمصر، وبالتالي في تحقيق التقدم الاجتماعي في شتى النواحي، هو الاختلاف الكبير بين العربية الفصحى واللغة العامية الدراجة، ثم دعوتها إلى الانحدار بالفصحى إلى مدارج العامية، ولكنك تغاضيت عن رأي مماثل أبداه الأستاذ أحمد أمين في مقال كتبه منذ شهور بمجلة المستمع العربي التي تصدر في لندن، وزعم فيه أن جمهور الشعب في مصر لا يصل إليه الأدب. . . الذي يثقفه ويعلى مستواه ويرقي ذوقه ويهذب عواطفه، وذلك لأنه ليس عندنا أديب للعامة وإنما كل أدبائنا للخاصة، والسبب في ذلك - كما يقول - هو وجود لغتين: لغة عامية ولغة فصحى. وأننا إلى الآن لم ننجح في التوفيق جع
بينهما. فماذا تقول أيها الجاحظ في هذا الرأي الذي يراه شيخ من شيوخ الأدب في مصر؟! وكيف تسكت عن هذا الرأي يخرج من مصر ولا تسكت عنه إذ يأتي من أوروبا؟!).
وأنا أحب أن أقول (للأديب الفاضل) قبل كل شيء إن الأستاذ أحمد أمين ليس من شيوخ الأدب، وإن من الظلم أن نحشره بين الأدباء، وإنما هو رجل باحث يتحلى بصبر العلماء، فغاية ما تؤهله إليه مواهبه أن يعكف على مراجعة آراء السابقين، فيقابل بينها، ويرتبها، ويعلق عليها بما يبدو له في ثناياها، وإنه ليظلم مواهبه ويتكلف الشطط إذ يزج بنفسه في مضمار الأدب، وإنه ليخرج على طبيعته خروجاً متكلفاً إذ يمضي على طريقة الأدباء فيمد بصره إلى (النظر في النجوم)، أو يجلس لمداعبة (صندوق الكتاكيت). . .
وإذا كان الأستاذ أحمد أمين يقول إن وجود لغة عامية ولغة فصحى هو العائق في سبيل توصيل الأدب إلى العامة، وأن الواجب، كما يفهم من قوله، أن نوفق بينهما، فإني لا أناقشه في هذا الكلام، ولكني أسأله أن يتقدم فيأتي لنا بأسلوب خليط من العامية والفصحى لنرى أي شيء يكون هذا الأسلوب الخليط، ولعله يوفق في هذا فيكون صاحب طريقة في الأسلوب تؤثر عنه، وتعرف فيما بعد بالطريقة الأحمدية الأمينية، كالطرق الجاحظية والعميدية والفاضلية التي عرفت في أساليب الجاحظ وابن العميد والقاضي والفاضل. . .