للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[رسالة الفن]

دراسات في الفن

متابعة العلم ليست فناً

على ذكر الفن الرمزي الحديث

للأستاذ عزيز أحمد فهمي

كنا نعرف الفن الرمزي فيما مضى على نوعين: إما أن يكون تجسيداً للمعاني يتدلى به الفنان إلى جمهور الأذهان، وإما أن يكون على العكس من ذلك تلويحاً بالبعيد دون القريب يتعالى به الفنان على جمهور الأذهان. ولم يكن هذا لينتزع من الفن الرمزي طبع الفن ولا خواصه، فقد احتفظ بكيانه كاملاً، فهو سابق وهو حر، وهو صادق وهو شاعر

واليوم يراد بنا أن نعرف نوعاً ثالثاً من الفن الرمزي هو - فيما يقول أهله - تابع يمشي وراء العلم، علم النفس، يشرح نظرياته وقواعده وما يثبت عنده من طباع النفس وأحوال حياتها. فهل يجوز لنا أن نقبل هذا النوع الثالث على أنه فن صحيح؟

إننا إذا فعلنا ذلك جرَّأنا كثيراً جداً من الأعمال العقلية على المطالبة بالارتفاع إلى مستوى الفن، وقد يجرنا هذا إلى نوع من البلشفية الروحية التي تسوى ما بين الحق والزيف؛ فتصبح ألفية ابن مالك فناً شعريا لأنها نظم يشرح النحو، كما أصبح الخشب في هذه الأيام حريراً، وكما خرج السمن في هذه الأيام من زيت جوز الهند.

وكي ندفع عن رأينا هذا، فإنه يلزمنا أن نتعرف في الفن بعض النواحي التي لو فقدها لفقد طبيعته فأصبح شيئاً آخر قد يكون حلواً لذيذاً، ولكنه لن يكون بحال من الأحوال فناً صحيحاً.

فما هي هذه النواحي التي يتحتم على الفن أن يستوفيها كي يكون فناً صحيحاً؟

أولها من غير شك هذا الحس الصادق الذي تبعثه الحياة نفسها. وهذا الحس هو الذي يملأ نفس الفنان حتى يفعمها، ثم يفيض منها فناً يتلقاه الناس فيشعرون أنه نبع من نفس صاحبه رغم أنفه، لأنه لم يكن يملك من يكتمه بعد أن ازدحم في نفسه وكثف. والفنان الحق لا يبحث عن الأحاسيس ولا يتكلفها، وإنما هو منطلق في الحياة كما ينطلق بقية الناس، أو كما

<<  <  ج:
ص:  >  >>